رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العجوز والقاضى.. ورغيف الخبز


«إذا رأيت فقيراً فى بلاد المسلمين.. فاعلم أن هناك غنياً سرق ماله».. كلمات مأثورة لفضيلة الإمام محمد متولى الشعراوى ــ رحمه الله وغفر له ــ بظنى أن هذا الكلام كان استغاثة وصرخة مؤلمة أطلقها الإمام لمبارك وعصابته بسبب الحالة المزرية التى وصل إليها السواد الأعظم من الشعب بسبب الفقر والبطالة والمرض واليأس.

لكن للأسف الشديد ذهبت هذه الصرخة أدراج الرياح.. فكان طبيعياً أن يخرج المصريون عند أول شرارة تشتعل ضد الظلم والطغيان.. نجح الشعب فى خلع مبارك يوم ٢٥ يناير وطالب برجوع حقوقه السليبة من اللصوص والهبيشة.. لكن هذا لم يحدث.. وفوجئنا بعد ذلك بظهور أعداء جدد.. جيوش من الخونة والعملاء أطلقوا على أنفسهم «الإخوان المسلمين».. والإسلام منهم برىء، هؤلاء استطاعوا سرقة الثورة وخطف عرش مصر لمدة عام أسود بمساعدة الأمريكان. ولأنهم فى الأصل لا ينتمون لمصر.. فقد فشلوا فشلاً ذريعاً وطردهم المصريون شر طردة من خلال ثورة عظيمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. بعدها توهم أزلام المخلوع أن الفرصة قد سنحت لهم مرة أخرى لاستعباد العباد والاستيلاء مجدداً على البلاد.. وبدأوا فى مسلسل الظهور الإعلامى والسياسى بشكل «مقزز» قد أثار الناس وأشعل غضبهم.. وظن معدومو الضمير وفاقدو الوطنية أن الشعب سيغفر لهم جرائمهم ويتركهم يعودون لمناصبهم حتى لا يحاسبوا على فسادهم وإفسادهم ولم يستوعبوا الدرس بعد.. بل ولم يفهموا أيضاً أن المواطن الذى ثار على نظامين سابقين أحدهما فاسد والآخر خائن وعميل فى أقل من ثلاث سنوات.. لا يمكن أن يتركهم دون أن يحاسبهم على جرائمهم ويرجعهم مرة أخرى إلى السجون إن عاجلاً أم أجلاً.. وخيراً فعل ابن مصر البار الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما أمر بفتح مكتب لمحاربة الفساد يشرف عليه رجل قضاء وطنى.. لكن بظنى أن هناك إجراءات أخرى مكملة لهذا التوجه ولابد من أخذها فى الاعتبار لمحاسبة كل من خان وسرق مصر وشعبها منها قانون «من أين لك هذا».. وقانون «إفساد الحياة السياسية».

فى هذا الإطار يحضرنى واقعة اطلعت عليها بمحض الصدفة فى مواقع التواصل الاجتماعى ملخصها أن «عجوزاً امتثل أمام قاض بسبب سرقته لرغيف خبز يسد به رمقه.. اعترف العجوز بالواقعة مبرراً ذلك بأن الجوع هو الذى أرغمه على السرقة» وقال القاضى للعجوز: «سأحكم عليك بغرامة عشرة دولارات وسأسددها نيابة عنك للخزينة لأنك لا تملك ثمن الرغيف».. بعدها لاحظ القاضى علامات التعجب على وجوه الحضور وهنا قال لهم «محكوم على كل منكم بدفع غرامة عشرة دولارات».. وافق الجميع على هذا الحكم وجمعوا للعجوز ٤٨٠ دولاراً وقبل أن تنتهى الجلسة ألزم القاضى الدولة برعاية العجوز مادياً وصحياً فى دار المسنين حتى مماته.طيب إيه مناسبة الكلام ده؟.. المناسبة هى إعلان المدعو أحمد عز عن ترشحه للبرلمان وبعيداً عن موافقة أو رفض الجهات المختصة. فإن عودة هذا النموذج للحياة السياسية ومن على شاكلته من النظام الأسبق أو السابق.. سيفتح الباب مجدداً لسرقة المال العام ويمنع محاسبة اللصوص الذين «مصمصوا» دماء المصريين.. فليس مقبولاً أو معقولاً أن نترك الفقير فقيراً حتى يصل به الحال لسرقة رغيف الخبز ثم يقف أمام القضاء متهماً بالجرم المشهود!! بل المطلوب أن نوفر له الحياة الكريمة التى نص عليها الدستور فى مادته «١٧» من الباب الثانى «المقومات الأساسية للمجتمع».. الفصل الأول: وفى كتابه «الطريق إلى جهنم» يقول المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود... «ومشكلة مصر لم تكن الفقر.. بل فى سوء الإدارة والمحسوبية والروتين وسيطرة غير الأكفاء على أكثر مواقع صنع القرار.. وكذلك إهمال الأولويات وعدم الأخذ بأساليب العلم والعصر فى المحاسبة والمتابعة».. هذه رسالتى إلى رئيسنا المحترم وحبيب قلوبنا رغم أنف الحاقدين