رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الله وأنا".. إبداع مختلف لروح شاعرة تهيم بين القصة القصيرة والشعر

جريدة الدستور

تنوعت القوالب الإبداعية واختلفت، وأنتجها الكثير من الكتاب بأصوات إبداعية مختلفة، إلى أن أصبحت سهلة التعارف عليها، وبعيدًا عن كل هذه القوالب الإبداعية؛ جاءت المجموعة القصصية "الله وأنا"، للكاتبة الشابة هناء نور؛ والتي تمكنت عبر 95 صفحة من التأكيد على أن الإبداع ليس بقالب محدد وضع من قبل ليسير عليه كل من يأتي، بل هو ألوان متعددة ومتجددة؛ وجديرة بخلق مساحة خاصة بها في المعجم الأدبي.

حيث بدأت المجموعة باسم يعد مدخلًا هامًا لقراءة المجموعة، والتي يمكن قراءتها من أكثر من زاوية، كما سيطرت على المجموعة الحالة الصوفية التي تبدوا واضحة الدلالة من كلمتين اختارتهم الكاتبة لتكونا مرآة هذه المجموعة، والتي تأخذك إلى عالم التصوف في أرقى صورة، والتقرب إلى الله.

وتشعرك الكاتبة بصدقها حين تتنقل بين صفحات المجموعة، والتي لن تشعر بأنها حالات منفصلة، بل أنها متصلة بشكل كبير رغم وجود ومضات محملة بدلالات أخرى بين الحالة الصوفية.

ففي النص الذي يأتي عنوانه على غلاف الكتاب تقول الكاتبة: "خلقتني، ونفخت في من روحك، فكيف تركت روحك تعاني عبث القدر"؛ كلمات معدودة محملة بدلالة ممتدة ومعبرة بشكل كبير عن مدى التصوف والتقرب إلى الله؛ بمعاتبته على أنه ترك أرواحنا تعاني رغم أنها امتداد لروحه؛ حينما نفخ من روحه في أول بشر على وجه الأرض سيدنا أدم عليه السلام.

في نص أخر تقول: "اسمي مريم، وجسدي أبيعه مقابل لقيمات.. وقالوا: "الحرة لا تأكل من ثديها"، و"كل الأوطان مغتصبة".. "أجساد غبية تلاحق أرواحا مقهورة، و"الانتحار كفر.. وأنت غفار.. والمقهور لا يغفر".

كما جاءت أيضًا بعض الومضات جاءت خارج هذه الحالة الصوفية، حيث تحت عنوان "عام 2011" قالت الكاتبة: "عندما قال الرئيس إن التاريخ سينصفه، كان يعلم جيدًا أن المزورين قادمون".

واختتمت الكاتبة ذلك الفصل بحالة لا تجعلك تشعر بالومضات المختلفة حيث قالت: "أنا يا مولاي أناديك؛ بلا سبب؛ فالوساطة لم تخلق للعاشقين".

كما حملت المجموعة بداخلها عنوان "رسائل"، والذي يشعرك بأنها مجموعة مختلفة داخل المجموعة نفسها، حيث تقول الكاتبة في بداية هذا الفصل: "إلى الحياة.. ألا يوجد أمل في نهاية مفتوحة للحديث معك؟"، ثم تتبعها بومضة أخرى إلى الموت حيث تقول: "أنتظر كل صباح.. لكن شمسك تأبى السطوع"، فما بين الموت والحياة والصورة التي صنعتها الكاتبة وتمكنت من صنع دلالة مغايرة، حيث تمكننا من قراءة الأشياء على عكس ما هو متعارف عليه، فالموت الذي تنتظر شروقه لم يكن الموت الأبدي؛ بل ربما تنتظر موت شيء ما؛ حتى يولد شيء آخر تنتظر شروقه.

واستخدمت الكاتبة في مجموعتها أدوات القصة القصيرة والشعر معا، حيث جاءت ما بين الصورة الرائعة، والإيقاع العام الذي لا يعتمد على الوزن الشعري، وبين الومضة التي تقترب كثيرًا إلى القصة، و تمكنت "نور" من صنع لونًا خاصًا بها، قد لا يمكن تصنيفه على أنه شعرًا، أو تصنيفه على أنه قصة قصيرة، إلا أنه لا يمكن لأحد أن يختلف على كونه عمل إبداعي جدير بالقراءة والإطلاع.