رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغيرات الدولية والإقليمية .. وتأثيرها فى المنظور الأمريكى


يُعـتبر التقارب الأمريكى الإيرانى، وسيطرة الجمهـوريـين على مجلسى الكونجرس أحد أبرز المتغـيـرات ذات التأثير المتبادل فى النسقين، فعـندما قـام أوباما بتهديد الكونجرس فى خطاب الاتحاد باستخدام حق الاعتراض ضد مشروع قانون يقضى بفرض عـقـوبات جديـدة على إيران.

فى 18 أبريل 2012 تناولت مقالاً نُشر بنفس المكان بعـنوان «التفكير الإستـراتيجى الجديد لحلـف الأطلنطى» حين قـرر رؤساء الدول الأعـضاء استمرار الحلف باعتباره أعظم وأنجح حلـف سياسى عسكرى شهدته البشرية، وتطويره بمفهوم جديـد بتحديث قدراته وضم شركاء جـدد ليكون قادراً على تحقيق الأمن المشترك لأعـضائه، ومواجهة أى تهديدات جديدة قد تنشأ عن أى متغـيـرات دولية أو إقليمية تهـدد الاستقرار العالمى، وقد نجح قادة الحلف فى تطوير قدراته وضم شركاء جـدد، لكنهم لم يشيروا من قريب أو بعـيد إلى نوعـية المتغـيرات التى قد تنشأ على الساحتين الدولية والإقليمية وتشكل تهديدات جديدة للحلف وللاستقرار العالمى! وما إذا كانت هذه المتغـيرات قـد تنشأ تلقائيا أم يفـتعـلها الحلف؟ وهل يسعى الحلف بممارساته السياسية والعسكرية الحالية إلى تحقيق الإستقرار العالمى؟ فإذا كان الأمر كذلك فما القيم والمبادىء التى يعـتنقها لتحقيق الاستقرار المنشود؟

وبداية أود أن أشير إلى أن العالم قد شهد فى تاريخه المعاصر كثيراً من المتغـيـرات التى تميزت بسرعة وكثافة وتراكم تفاعلاتها، أبرزها هى تلك التى أدت إلى تغـيـيـر النظام الدولى ثنائى القطبية إلى نظام أحادى القطبية احتلت فيه الولايات المتحدة قمة هرمه واستأثـرت بالـنفوذ على الساحة الدولية، كما تُعـد ثورة المعلومات والاتصالات والتقدم العـلمى والتكنولوجى المذهل والأزمة المالية العالمية من أبرز هذه المتغـيرات، كما شهـد الـنسـق الإقليمى لمنطـقـة الـشـرق الأوسـط باعـتباره أكثر الأنساق الإقليمية أهمية وتأثيراً فى المعادلة الدولية مجموعة أخرى من المتغـيرات تميزت بذات الخصائص، خاصة تلك التى حدثت بالمنطقة العربية التى كانت ومازالت- تشكل حجر الزاوية فى بناء إستراتيجيات القوى العالمية التى نشأت فى تاريخ البشرية، حيث تحقق التفوق لمن يُسيطر عليها بحكم ثرواتها وموقعها الذى يُشكل قلب العالم، حتى أصبحت متغـيراتها تتداخل وتتفاعل مع المتغـيرات الدولية إلى الحد الذى أصبحت فيه هذه أو تلك ذات تأثير متبادل فى النسقين الدولى والإقليمى

ويُعـتبر التقارب الأمريكى الإيرانى، وسيطرة الجمهـوريـين على مجلسى الكونجرس أحد أبرز المتغـيـرات ذات التأثير المتبادل فى النسقين، فعـندما قـام أوباما بتهديد الكونجرس فى خطاب الاتحاد باستخدام حق الاعتراض ضد مشروع قانون يقضى بفرض عـقـوبات جديـدة على إيران، بزعـم أنه سيعـرقـل جهود التفاوض الدولى الرامية إلى التوصل لتسوية سياسية لقضية البرنامج النووى الإيرانى، قام رئيس الكونجرس فور انتهاء الخطاب بإعـلان قبول رئيس وزراء إسرائيل دعـوته لإلقاء خطاب أمام مجلسى الكونجرس لتوضيح موقف إسرائيل من هذه القضية، الأمر الذى يعكس حدة التناقض بين مؤسسة الرئاسة والكونجرس لتجاهل إخطارها بهذه الدعوة مسبقاً، وبين أوباما ورئيس وزراء إسرائيل الذى قبل الدعـوة وطلب تعـديـل موعـدها لتكون فى مارس، إذ إن هذا التناقض المتعـمد يجعـل سياسة أوباما تبدو وكأنها فقدت حاسة الإتجاه نحو اتخاذ القرارات الرشيدة.

وما يزيد هذا التناقض حدة هو أن أوباما يُدرك تماما حقيقة تعـديل الموعـد، إذ يهدف نتنياهو إلى أن يكون خطابه متزامناً مع الانتخابات الإسرائيلية، حتى يستغـله فى توجيه خطاب إلى جميع يهود العالم فى الداخل الإسرائيلى وفى الخارج وهو الأهم، ليؤكد للجميع أن إسرائيل قـد أصبحت آمنة تماما تحت مظلة حزبه القوى «الليكود» وعـلى يهود إسرائيل إعادة انتخابه كرئيس للوزراء، وعلى يهود الخارج الهجرة إلى إسرائيل حتى ينعموا بالأمن الذى ربما لا تتمكن دولهم من توفيره، ويكون متزامناً أيضاً مع المؤتمر الـسنوى للجنة الـشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية Israeli Public Affair Commitee American «أيباك AIPAC» حتى يلقى خطابا شاملا يؤجج فيه مشاعر أعـضاء هذه اللجـنة لجمع التبرعات لإسرائيل، وتعـزيز موقف الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية القادمة أمام الحزب الديمقراطى الذى ينتمى إليه أوباما والذى يكن له مشاعر الكراهية، إذ تسيطر «أيباك» عـلى حـوالى40 منظمة يهوديـة كـبـرى وأكثـر من 80 منظمة أقـل حجما فى الولايات المتحدة وجميعـها تأتمر بأوامرها، وتسيطر على مراكز صناعة القرار الأمريكى فى مجلسى الكونجرس سيطرة كاملة، بل تتحكم فى معـظم اللجان ذات التأثير المباشر فى القرارات الإستراتيجية بالكونجرس.ويُشير الواقع إلى أن هذه الدعـوة التى تلقاها نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونجرس بمجلسيه ليست هى الأولى، فقد سبق له إلقاء خطاب فى 10 يوليو 1996 أكد فيه « أن إسرائيل قد بلغـت سن الرشـد ونضجت بما فيه الكفاية لكى تبدأ مرحلة الاعـتماد على الذات»، فى إشارة واضحة إلى أن إسرائيل ليست فى حاجة لأحد حتى لو كان ذلك الولايات المتحدة نفسها .

وللحديث بقية فى الأسبوع القادم بإذن الله

إستاذ علوم سياسية -جامعة بور سعيد