رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إننا بحاجة إلى أكثر من ثورة تصحيح


حضرت مؤتمر «نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف»، فى مكتبة الإسكندرية فى المدة من 3-5 يناير 2015، وعشنا فترة المؤتمر فى رعاية الأستاذ الدكتور إسماعيل سراج الدين والعاملين معه جميعاً بعد رعاية الله تعالى. عشنا نسبح فى آمال عريضة كالمحيطات أو البحار التى لها شطآن لا نراها.
 كانت آمالنا أن
نتمكن من دحر التطرف، ومن دحر الإرهاب، وخصوصاً فى العالم العربى كله ولكن لهذا الحديث موضع آخر. وبمجرد أن وصلت على مشارف القاهرة عند نهاية الطريق الصحراوى وتقاطعه مع طريق المحور فى ثلاث ساعات، استغرقت ثلاث ساعات ونصف الساعة أخرى لأصل إلى مدينة نصر، وكأنها منطقة فى دولة أخرى.

شغلنى هذا الأمر كثيراً لأننى تعلمت فى شبابى أن الوقت هو الحياة وأن من يقتل وقته أو يضيعه فإنه يضيع حياته، وأن الدقيقة التى تمر لا تعود، وأن كلاً منا يقترب كل دقيقة تمر من عمره من نهاية حياته.

طبعاً، كل القراء على ما أظن لهم خبرة وتجربة كبيرة مع الازدحام والمرور فى المدن الكبرى خصوصاً. ليس هذا ما أعنيه، وأن تحسن المرور قليلاً عن السنين السابقة. لك أن تتصور أيها القارئ القيادة فى الزحمة، وسوء السلوك عندما يشعر السائقون بالضيق، فضلاً عن سلوك سائقى الميكروباصات والنقل خصوصاً، وكل من كان على عجلة من أمره كالمسافرين والذاهبين إلى المطارات أو مواقف الأتوبيسات أو سيارات الإسعاف التى تعمل للإنقاذ.

استرجعت فى الطريق ما قاله الرئيس السيسى فى احتفال المولد النبوى الشريف، من أننا بحاجة إلى ثورة تصحيحية، وقد لا يروق هذا القول لبعضهم، ولكن الثورات تختلف ولها معان كثيرة، ولا أظن أن الرئيس يقصد ثورة مثل الثورة الثقافية فى الصين، ولكن ثورة ضد التطرف وضد التقاليد البالية والنمطية وبطء الأداء والفتاوى الشاذة. ثورة توضيح مقاصد الشريعة وتطويرها فى ضوء مقتضيات العصر والتقدم العلمى، وليس هناك من هو أجدر من الأزهر الشريف بهذه المهمة. ثورة توضيح المفاهيم الإسلامية الصحيحة، مثل مفاهيم الجهاد وأوضاع المرأة والموقف من العنف والإرهاب، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التى ليست من الثوابت فى شىء. وقد حمَّل الرئيس السيسى الأزهر هذه المسئولية الضخمة وهم بإذن الله تعالى أهل لها.

بل إننا أيضاً، بحاجة إلى ثورة ثقافية، تقضى على ثقافة التخلف واللامبالاة، وكل الممارسات والإجراءات واللوائح التى تعيق الانطلاق إلى ثقافات العصر المنضبطة بالقيم والمبادئ السامية فى ديننا الحنيف، والتى تسعى إلى إرساء أسس النهضة الفكرية وفكر النهضة، والخروج من التخلف، واكتشاف المواهب الفنية والأدبية وصفاتها وثقافة محاصرة التطرف والإرهاب وتعزيز ثقافة الديمقراطية وقيمها الإنسانية الأصيلة التى لا تعارض الدين فى شىء. وقد نوقشت بعض هذه النقاط فى مؤتمر مكتبة الإسكندرية لمواجهة التطرف.والثورة المقصودة أيضاً، ينبغى أن تصل إلى ميدان التعليم والصحة، ولو نجحت الثورة فى منع الدروس الخصوصية، وإجادة المدرسين لعملهم، وعودة الطلاب إلى الاستمتاع باليوم الدراسى وهم داخل الفصول، مثلما يستمتعون باللعب، وبرامج الترويح النظيفة، لكان ذلك انجازاً عظيماً، فضلاً عن ثورة فى المناهج لتعزيز مطالب الثورتين يناير، ويونيو، وفى مقدمتها العيش والحرية والعدالة والكرامة. ونحن بحاجة إلى ثورة فى الإعلام التزاماً بالمواثيق المهنية والأخلاقية والالتزام بالموضوعية، وتنمية الإبداع وكشف الفساد للمسئولين، والابتعاد عن أى ممارسات تخالف الدين والأخلاق والقيم الأصيلة. نعم كان الرئيس السيسى على حق وهو يقول بضرورة ثورة تصحيحية على الأخطاء والتخلف، وكل من موقعه. والله الموفق