رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة أوكرانيا أم أزمة الطاقة أيهما يقود العالم إلى حرب عالمية رابعة «1»


صدر مؤلف لى تحت عنوان التوازن الاستراتيجى فى الشرق الأوسط ودور مصر نشره مركز الأهرام للترجمة والنشر فى عام 1995، وأشرت فى صفحة 211 إلى أن الفوضى ستكون إحدى الظواهر الرئيسية للنظام الدولى «الجديد» كانعكاس صريح لبروز أزمات سياسية واقتصادية عديـدة.
حيث لا يستوى أن ينتظم النسق الدولى فى ظل هيمنة قوة وحيدة، و كانعكاس للتوترات والأزمات التى تنجم من تدويل الاقتصاد، خاصة بعد نشأة وارتقاء التكتلات القائمة على الشكوك القومية والتاريخية، أو تلك التى لها مصالح متعارضة، إذ يشهد عالم اليوم تأجج أزمتين غاية التعـقيد والحساسية تهددان الأمن والسلام الدوليين عـند حدوث مواجهة حقيقية بين هذه التكتلات، الأولى هى الأزمة الأوكرانية، والثانية أزمة التراجع الحاد فى أسعار البترول أو الطاقة التى تشكل الحضارة البشرية ويصيب من يظن أن هناك علاقة مباشرة بين هاتين الأزمتين، حيث إنها ترتبطان بمسألتين رئيسيتين.

الأولى هى السعى الدؤوب للولايات المتحدة والغـرب إلى استقرار مركـز الهـيمنة فى قلب الولايات المتحدة إن رهباً أو رغباً، والثانية هى إصرار روسيا على استعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، وعزم الصين على أن تلعب دوراً رئيسياً فى المعادلة الدولية والمشاركة فى النفوذ على الساحة الدولية، وهاتان المسألتان تحكمان تفاعلات وحركية العلاقات الدولية، ذلك أن أحـد الاشتراطات الرئـيـسـيـة لاستقرار موقع الهيـمـنـة وعـدم زحـزحـتـه من قـلـب الولايـات المـتـحـدة هو عـدم قـيام قـوة عالمية تكـون قادرة على استقطاب بعض الوحدات السياسية فى إقـلـيـم حـيـوى مثل الشرق الأوسط أو المنطقة العربية التى تُعـتبر قلب العالم والتى تمنح التفوق لمن يسيطر عليها، ولذلك افتعـلت الولايات المتحدة والغرب هاتين الأزمتين وقبل أن أتناول عناصر ومكونات وتوقيت وأهداف الولايات المتحدة والغـرب من افتعال وتأجيج هاتين الأزمتين واستراتيجية إدارتهما، قد يتساءل البعض عما إذا كانت الحرب العالمية الثالثة قد وقعت وانقضت؟ فإذا كانت قد وقعت فكيف ومتى كان ذلك؟ وما النتائج التى ترتبت عليها؟

وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن لهاتين الأزمتين أو لإحداهما أن تقود العالم إلى حرب عالمية رابعة؟ وقبل أن أبدأ الإجابة أيضاً فإنه يتعـين توضيح أن الهدف الرئيسى لأى حرب هو إيقاع الهزيمة الحاسمة للخصم ولا شك فى أن التحالف الغـربى قد تمكـن من هـزيـمة التحالف الشرقى هـزيمة ساحقة فى حرب باردة تستحق أن يُطلق عليها «الحرب العالمية الثالثة» دون مبالغة ودون أن يُوجه طـلـقـة واحدة لهذا التحالف الذى استطاع يوماً أن يحـقـق التوازن الاستراتيجى الدولى فى نظام عالمى ثنائى القطـبية، وقد أدت هذه الهزيمة إلى إسقاطـ الاتحاد السوفييتى وحولته الى أنقاض دول وبقايا شعـوب، وأسـقـطت الأنظمة السياسية لدول حلف وارسو وحولتها إلى أنظمة ديـمـقـراطـية، وهـدمت سـور بـرلين العـظـيـم وعـملت على تفكـيـك بعـض دول الحلف الشرقى وضمتها إلى الاتحاد الأوروبى بل وإلى حلف الناتو نفسه.

وقبل أن أبدأ فى الإجابة أود إلقاء الضوء الكاشف على شبه جزيرة القرم التى تسببت فى تأجيج الأزمة الأوكرانية، فمن حيث الجغـرافيا فهى تقع جنوب أوكرانيا وتلتحم بظهيرها البرى بشريط ضيق، ويكاد شرق شبه الجزيرة يلتحم أيضاً بالظهير البرى لروسيا، أما من حيث التاريخ فكانت ضمن إقليم روسيا السوفييتية حيث قام خروشوف رئيس جمهوريات الاتحاد السوفييتى ذو الأصل الأوكرانى بضمّها إلى أوكرانيا السوفيتية عام 1954، ومن حيث العـرق فإنها تنفصل انفصالاً كلياً عـن أوكرانيا، فأغلبية سكانها من الروس ذوى الأصول التى ترجع إلى السلاف الشرقيين وأقلية تبدى ولاءها لروسيا، يتحدثون باللغـة الرسمية الأوكرانية لكنهم يتعاملون باللغة الروسية، أما سياسياً فقـد استقلت بتسوية منحتها حكماً ذاتياً فى عام 1992 واحتفظت لروسيا بقاعدة بحرية ينتهى العـمل بها عام 2017، مُدت 25 عاماً لتنتهى عام 2042 مقابل قيام روسيا بإمداد أوكرانيا بالغاز الطبيعى بأسعار تفضيلية، وقد تم انضمامها لروسيا الاتحادية مؤخراً بعـد إجراء استفتاء شعـبى، وتقوم برفع الأعلام الروسية على مؤسساتها ومبانيها الحكومية.

والخلاصة فإنه يمكن اعـتبار أن ما أقدمت عليه روسيا فى ضم شبه جزيرة القرم ما هـو إلاُ تصحيح لخطأ لا يتسق مع المنطق ويخالف الدستور، إذ إن روسيا لا يمكنها أن تتخلى عن شبه جزيرة القرم، إذ تمثل لها من الزاوية الاستراتيجية المرتكز الرئيسى لصيانة أمنها القومى.

وفى الأسبوع القادم بإذن الله نلقى الضوء أيضاً على الأزمة الثانية التى تتعـلق بالتراجع الحاد لأسعار البترول.

أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد