رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعاملة بالمثل.. والحصانات والامتيازات الدولية


مبدأ المعاملة بالمثل ويعنى أن تلجأ الدولة إلى اتخاذ تدابير قهرية تقع بالمخالفة للقواعد العادية للقانون بهدف إجبار الدولة المعتدية على احترام القانون وتعويض الدولة التى اعتدى عليها عما لحق بها من ضرر. 

فالمعاملة بالمثل حق معترف به للدولة التى وقع عليها الاعتداء أن ترد عليه باعتداء مماثل بهدف إجبار الدولة المعتدية على احترام القانون وعلى تعويض الضرر المترتب على مخالفته. 

وترجع فكرة المعاملة بالمثل إلى المجتمعات القديمة حيث ساد مفهوم العدالة الخاصة، ومثل هذا المفهوم كان يسمح للمعتدى عليه بالرد على أى عدوان سابق تعرّض له، ومع تطور النظم العقابية وفلسفتها تحولت العدالة الخاصة باتجاه السلطة العامة وساد مبدأ الدفاع المشروع عن النفس أو المال. 

ومفهوم فكرة المعاملة بالمثل انتقل من نطاق الأفراد إلى نطاق الدول، وهذا الانتقال شكل نقطة ضعف ضد المبدأ نفسه، فهو يوحى بأن تحقيق العدالة داخل المجتمع الواحد أمر ممكن، ولكن هذا المنطق غير صحيح على إطلاقه فى حالة العلاقات بين الدول، وهذا ما دفع بالفقه القانونى إلى طرح مدى مشروعيته رغم أن الواقع يفرض الأخذ به كضرورة عملية فى بعض الحالات الاستثنائية والخاصة. 

ويتعين أن يتوافر التناسب بين فعل الاعتداء والرد عليه، وفيه يؤخذ بعين الاعتبار كل الظروف الموضوعية المحيطة بالأفعال المرتكبة ومعنى التناسب يجب أن يتسم بالواقعية والموضوعية بحيث يتعين عدم تجاوز المقدار الذى يحقق الهدف وذلك بردع المعتدى وإزالة الأضرار التى تكون قد ترتبت على أفعاله غير المشروعة. 

وينطبق مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول فى نطاق القانون الدولى العام من حيث العلاقات الدولية بين الدول بعضها البعض سواء من حيث الحصانات والامتيازات الممنوحة وفق العرف الدولى لرؤساء الدول والحكومات وأعضاء الحكومات والدبلوماسيين والقنصليات، بحيث يتمتع رؤساء الدول والحكومات والبعثات الدبلوماسية والقنصلية بالحصانات القضائية، فلا يجوز للسلطات القضائية الأجنبية مخالفة قواعد قانونية دولية لأن قواعد القانون الدولى أسمى من القواعد الداخلية حتى لاتترتب المسئولية الدولية لتلك الدول فلا يجوز اتخاذ أى إجراءات جنائية مثل إجراءات القبض أو التفتيش أو التوقيف أو أى إجراءات تمسهم.

فتلك الحصانات ليست مقررة لأشخاصهم بل مقررة لمصلحة دولتهم وما تحكمه من بروتوكولات ومعاهدات دولية ومنها اتفاقية فيينا، فقد ساد العرف الدولى الحاكم للقانون الدولى العام احترام تلك الفئات وتوقيرها طبقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، فإذا أخلت دولة من الدول بتلك الحصانات والامتيازات يحق للدولة الأخرى الرد بالمعاملة بالمثل بالتناسب مع فعل الدولة المعتدية بتلك المعاملة حتى لا تتعرض للمسئولية الدولية، ويسود هذا المبدأ أيضاً نطاق القانون الدولى الخاص، حيث يظهر جلياً فى المجالات التجارية والاقتصادية بل وفى معاملة الدولة لرعاياها فى الخارج وفى مجال تنفيذ الأحكام القضائية ولقد أخذ المشرع المصرى فى قانون المرافعات بهذا المبدأ لاسيما فى تنفيذ الأحكام القضائية فى المواد من 296 حتى 300 تطبيق لشرط المعاملة بالمثل.

هيئة قضايا الدولة