رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل الأمة فى ضوء الهيمنة الأمريكية


كثيرة هى تلك الأخبار التى تحتاج إلى تحليل وتعليق معمق، خصوصاً فى العالم العربى، حيث توجد كثير من النقاط الساخنة، وذلك بسبب التخلف المزرى الذى تعيشه خير أمة أخرجت للناس، وبسبب الهيمنة الأمريكية فى ضوء ما يسمى بالنظام العالمى الجديد، وما هو بنظام ولا هو بجديد.

فعلى الساحة العربية تكثر المتناقضات، ولا تزال مشكلة تحقيق الشفافية قائمة حتى فى بلاد الربيع العربى، فى ظل غياب نظام لمحاسبة المسئولين على أدائهم، وفى ضوء توفير المعلومات الدقيقة والبيانات اللازمة لتقويم الأداء على جميع المستويات.

ولكن ليس بمستغرب أن يكون أداء الدول العربية التى لم تشهد ربيعاً عربياً نمطياً كالعادة، ولكن أداء معظم المسئولين فى بلاد الربيع العربى حالياً، وبعد الثورات الشعبية العظيمة، لم يتغير كثيراً عما كان عليه أيام المخلوعين الذين تنحوا عن الحكم مثل مبارك، والهاربين إلى دول الخليج مثل بن على، والمقتولين مثل القذافى، واللاعبين على الحبال مثل صالح فى اليمن، والقاتلين لشعوبهم كل يوم مثل الأسد فى سوريا.

أكثر القضايا المثيرة للجدل على الساحة العربية والإسلامية، تتلخص فى ردة الفعل ضد الفيلم التافه المسىء للإسلام، وفى فشل العالم حتى اليوم لحل القضية السورية حلاً عادلاً وشاملاً كما فشل الجميع من قبل فى حل قضية فلسطين رغم وضوح الحق، بل الفشل فى إيواء المهاجرين والفارين واللاجئين السوريين، بما يكفل لهم الكرامة الإنسانية فى دول الجوار، حتى إن بعضهم وفى ضوء ثورات الربيع العربى، يفضل الهجرة أو الفرار إلى البلاد الغربية، حيث الحريات والاهتمام بالإنسان وكرامته، بعض المهاجرين السوريين لا يسمح لهم بالدخول حتى إلى بلاد الثورات العربية، وإذا دخلوا يتم ترحيلهم بعد فترة قصيرة، ولا يتم تجديد إقامتهم بيسر وسهولة كما يتوقعون، وبعض النساء يتعرضن للهوان وانتهاك الحرمات، والجميع إلا من رحم ربك يعيشون فى المهجر العربى، كما قال الأخضر الإبراهيمى عيشة لا يقبل بها الحيوان، وتصفها بعض المصادر الأوروبية بأنها مزرية.

وعلى الساحة العربية والإسلامية أيضاً، سافر من سافر من الرؤساء والحكام إلى الأمم المتحدة للاشتراك فى المكلمة السنوية التى تتطلع إليها كل سنة الأنظار، وخصوصاً فى هذا العام لترى كيف حصل التغيير فى بعض بلاد العالم العربى وأثر ذلك التغيير فى القضايا العربية والإسلامية على الساحة العالمية من خلال الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

تذكرت الرئيس الشهيد ضياء الحق -رحمه الله تعالى - الذى فتح باكستان أمام المهاجرين والمجاهدين واللاجئين الأفغان، فاستوعبت باكستان فى عهده ما يقرب من 4 ملايين مهاجر غير التسهيلات التى وفرها لجميع هيئات الإغاثة العربية والإسلامية والأجنبية فى مجالات الطب والعلاج والتعليم حتى العالى منه والرعاية الاجتماعية والنفسية لليتامى والأرامل والعجزة وكبار السن والمعاقين فضلاً عن رعاية المجاهدين أنفسهم، هذا عمل عظيم فى حد ذاته بصرف النظر عن النية من ورائه.

لم تسأل باكستان أحداً من المهاجرين عن هويته، ولا تأشيرة دخول ولا صلاحية إقامته فتعلموا وعلموا، وفتح المهاجرون وبمعونة هيئات الإغاثة محلات تجارية، وقادوا السيارات لنقل الركاب، وعملوا فى جميع الميادين والمحلات والأسواق، وتحركوا فى طول البلاد وعرضها، وتسابق المسلمون على خدمتهم وتوفير المتطلبات اللازمة لهم، وقد تحقق بذلك حق الأخوة بين الشعبين الباكستانى والأفغانى على الأقل فى تلك الفترة.

إننى أتمنى كثيراً وجود رجل مثل ضياء الحق - رحمه الله تعالى - فى أى من البلاد العربية، خاصة فى دول الجوار مع العدو الصهيونى الغادر الذى يسمى بإسرائيل، وكذلك على الحدود السورية اليوم حتى تعود للمهاجر السورى كرامته وإنسانيته فى حضن العالم العربى والإسلامى أكثر من بلاد الغرب. كيف لا تشعر بلادنا بهذا التحدى، لقد طالبت الثورات العربية بالكرامة الإنسانية ولم تتوفر حتى الآن، وطالبت بالعيش ولا يزال صعباً، وطالبت بالعدالة الاجتماعية، ولا يزال البون إليها شاسعاً، وطالبت بالحريات ومازالت السجون مليئة بالمظاليم، ولا يزال الأمن يعبث بالأبرياء، بل وببعض الثوار المخلصين وذويهم، أو الإهمال فى حمايتهم، وأسوأ مثال على ذلك ما لقيه الثائر المجاهد الليبى عمران جمعة شعبان - رحمه الله تعالى - وهو ممن أمكسوا بالقذافى فأمسك به بقايا الفلول وفعلوا به الأفاعيل، كيف يعتقل مثل هذا المجاهد للحظة واحدة، كيف يتم تعذيبه، لمدة خمسين يوماً بعد اختطافه وتعجز ليبيا الثورة عن الوصول إليه أو الإفراج عنه طوال تلك المدة؟ هل هذا هو المصير الذى ينتظر خيرة المجاهدين من أبناء الوطن العربى فى ظل جلوس الإسلاميين وغيرهم على الكراسى فى الرئاسة والبرلمان والحكومة؟

المؤتمر الوطنى العام فى ليبيا الذى عجز عن تحرير عمران شعبان لمدة خمسين يوماً انتهكت فيها كرامته ولم يسعفه العلاج الطبى فى فرنسا، اعتبره من شهداء الواجب، ومنحه وسام شهيد الواجب، ولورثته جميع المميزات التى تعطى لهؤلاء الشهداء، هل هذا هو جزاء الثوار؟ يستشهدون ثم يكرم ورثتهم، ولا يعرف قدرهم إلا بعد الاستشهاد، الهم العربى ثقيل، وأصبح الحفاظ على الثوابت الوطنية أمراً صعباً، رغم كثرة الكلام والوعود والتصريحات.

أما أخطر ما يدور على الساحة الإسلامية - بعد الاحتلال الصهيونى لفلسطين وتدنيس المقدسات - فهو التهديد الصهيونى المستمر لإيران، كمرحلة جديدة من مراحل الهيمنة الغربية، التى يقبلها كثير من حكام العرب، بل يفضلونها حرصاً منهم على الرفاهية المتمثلة فى ماكدونالدز وبيرجر كنج والحماية الأمريكية والناتو والثقافة الغربية، وطالما نعيش حالة التخلف فى التعليم والتقنية، وإذا كانت بعض الدول العربية تكره إيران، إما لأسباب طائفية أو تعاطفاً مع الأمريكان والصهاينة، فهؤلاء من أصحاب التخلف يكرهون إيران الثورة ويقفون مع الهيمنة عليها، وما كرهوها أيام فساد الشاه.

أما الغرب فلن ينسى مصالحه فى كل بلادنا، قد يرى الناس الغرب منشغلاً بالانتخابات الأمريكية حالياً وبالتنافس والصراع على السلطة بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولكن ذلك يدور ضمن الاستراتيجية الأمريكية، وعند المخططين للنظام العالمى الذين يقفون وراء كل المشكلات والأزمات الكبيرة فإن المرشحين الجمهورى والديمقراطى يلعبان فى فريق واحد ونادٍِ واحد، وأى لاعب يخرج عن سياسة هذا النادى أو الفريق لا مكان له على ظهر الأرض، وباطنها خير له من ظاهرها، وخير دليل على ذلك كيندى فى أمريكا نفسها، وبوتو فى باكستان، وألدو مورو فى إيطاليا، كما تذكر بعض التحقيقات والتحليلات الغربية نفسها.

والذى نحتاج جميعاً إلى أن ندركه، لا أن نعرفه فقط، هو أن أمريكا تعتبر نفسها - منذ أوائل التسعينيات وبعد هزيمة الاتحاد السوفيتى وتفكيك أوصاله على يد الأفغان المعدمين - وعند تسلقها قمة النظام العالمى الجديد، تعتبر نفسها كما قال البروفيسور برادلى «الأخت الكبرى للعالم، ولابد أن تأخذ مكان الأم يوماً ما»، وعلى الآخرين أن يعرفوا كيف يتعاملون مع الأم الرءوم أمريكا وإلا فمصير العراق وأفغانستان وفلسطين ليس عنا ببعيد.. والله الموفق