رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آباء الثورة المصرية "2"


لا يُعرف بعض شباب «يناير » الأشاوس الذين ركبوا فوق ظهر الثورة.. ولم يكن يعرفهم أحد، ولا كان لأحدهم سابقة نضال، أو مشاركة فى تظاهرات أو كتابة مقالات تعارض استبداد مبارك وفساده، ولا دفعوا ثمناً كما دفعه الآباء الشرعيون للثورة المصرية.

لا يعرف هؤلاء الانتهازيون أن الحركة الوطنية قدمت رموزًا من الكتاب والسياسيين النباء الذين كانت مواقفهم التراكمية وقودًا للثورة وأسهمت فى إيقاظ الضمير الوطنى فى لحظات الضعف والعجز واليأس والانكسار.. وعاشوا حياتهم كما القديسين حراسًا على القيم والثوابت الوطنية، لأجل أن ننعم نحن بالحرية وكانوا يخجلون من الحديث عن أنفسهم، ولا كنايتهم بالمناضلين بعدما ابتذل الانتهازيون والمزايدون النضال، وتاجروا به، حتى باتت كلمة «نضال » من المفردات الملتبسة!

ولا يعرف كثيرون أن الأستاذ «محمد عودة » الذى كتبت عنه أمس، علَّمنا نوعًا آخر من النضال طويل النفس على طريقة غاندى..

وهو النضال ضد العدو الأكبر للوطن وهو«الجهل »، الذى زرعه المستعمرون والطغاة ليسهل قمع الشعب المصرى!.

ففى مطلع السبعينيات، وفى الوقت الذى كان يتصارع فيه الصغار على مناصب المقدمة فى الصحافة المصرية، أعطى «عودة » ظهره لما يجرى، وتفرغ بكل قامته الثقافية والفكرية لمهمة نضالية ووطنية من نوع آخر، وهى تعليم الفقراء القراءة والكتابة بفصول«محو الأمية » بقصر ثقافة «الريحانى » بحدائق القبة! فى تلك الأيام لم يكن يُعِّلم الفقراء وحدهم، وإنما كان يمحو أميتنا جميعًا، ويعلمنا درسًا فى تواضع العظماء، وخلق النبلاء واتساق الأقوال والأفعال.

أما الأستاذ «محمد سيد أحمد » فهو طراز آخر من هؤلاء القديسين من آباء الثورة المصرية، تلك الكائنات البشرية العجيبة! فهو سليل عائلة الباشاوات وابن الطبقة البرجوازية الذى اعتنق الماركسية، وأنقلب على طبقته وتمرد على حياة القصور، وعاش تحت الأرض، مع الفقراء والدهماء والحفاة، وأنفق كل ثروته لنشر الماركسية وقيام الثورة الشيوعية لإرساء العدل الاجتماعى والقضاء على الطبقية!.

انضم لجماعة «حدتو » وراح يوزع المنشورات التى تنادى بطرد الاستعمار وإسقاط الملكية، فقُبض عليه وأودع المعتقل، وروى لى زملاء رفقته فى المعتقل، أن أفضل خدمة قدمها البوليس السياسى للوطن هو إيداعه معتقل الواحات فقد كان قدومه المعتقل فاتحة خير وليلة قدر على جميع السجناء، لأن والدته كانت ترسل له فى يوم الزيارة رتلاً من السيارات المحملة بالحلل العماقة والأناجر، والطواجن المعبَّأة بالحمام المحشى، والديوك الرومى والبط والأوز والأرز المعمر، وصوانى الكنافة التى كانت تكفى لإطعام قبيلة!.