رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أباء الثورة المصرية!


تحل هذه الأيام الذكرى الثامنة لرحيل واحد من أهم رموز الحركة الوطنية وأهم أباء الثورة المصرية الذين لولا وجودهم فى حياتنا السياسية، والثقافية والصحفية، لما قامت ثورة 25 يناير ضد الاستبداد والفساد، ولا ثورة 30 يونيو ضد الفاشية الدينية! إنه الأستاذ «محمد عودة » إمام المتفائلين، وغاندى الثقافة المصرية! وواحد من رموز كثيرة ناضلت فى صمت وأسهمت فى صناعة وتشكيل الضمير الوطنى لدى أجيال كثيرة، ودفعت ضريبة النضال فى صمت، ومن دون جلبة ولا ضوضاء ولا طلب فواتير.. ورحلت عن دنيانا فى هدوء.
دخل «عودة » السجن فى ثلاثة عهود العهد الملكى والعهد الناصرى والعصر الساداتى وظل محاربًا ومحرضاً على الثورة حتى آخر يوم فى حياته، كان يوزع أفكاره الثورية على مريديه فى مقهى «ريش » وكأنه يوزع «اللب والسودانى !» وذات يوم اتصل بى وسألنى: جهزت شنطتك؟ وكان يقصد أن نستعد لدخول السجن معًا!

فى ذلك اليوم نشرت حوارًا معه فى صحيفة «العربى » بعنوان «مصر حبلى بالثورة »! فقد كان واثقًا إن ثمة ثورة كبرى فى الطريق ومصر تعيش حالة مخاض وكنا لا نصدق تفاؤله، وقال لى ذات مرة إنه تحول إلى كاتب بالصدفة، فقد كان يرسل مقالات قصيرة ل «روزاليوسف » لتنشر فى بريد القراء وطلبت السيدة روزا استدعاءه وعينته كاتبًا!

وذات يوم سألته لمَ تركت المحاماة؟ فروى لى قصة ذات دلالات إنسانية عميقة! فحين تخرج فى كلية الحقوق افتتح مكتبًا للمحاماة بمدينة «فاقوس » بمحافظة الشرقية، و ذهب ذات يوم مع قريبه الطبيب لفحص أحد الف احين المرضى حين

اجتاح وباء «الكوليرا » مصر فى منتصف الأربعينيات!

وبعد أن فحص الطبيب الفلاح الفقيراكتشف أن حالته ميئوس منها وأنه يعانى سكرات الموت جراء «الكوليرا ».. فسأله: نفسك تاكل إيه يا فلان؟ قال نفسى فى «كوزحلاوة طحينية »! وبكى «عودة » وأخرج من جيبه قروشًا لتحقيق أمنيته، وقرر يومها

إغلاق مكتب المحاماة والنضال لاجل هذا الفلاح الفقير