رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة من التراث الجميل


قبل أن أستكمل الحلقتين الباقيتين من موضوع: المشروع الإسلامى والديمقراطية - بمشيئة الله تعالى - رأيت من المهم ذكر هذه القصة العظيمة فى أعقاب عيد الأضحى المبارك، أعاده الله تعالى على الجميع بالخير والبركات. ليس أبلغ من المواعظ العظيمة فى القرآن والسنة، وهى تبين الطريق المستقيم وتدل عليه، وفى التراث أيضًا من ذلك مواعظ عظيمة قدمها العلماء والفقهاء والأئمة الصالحون، لمن يريد أن يفهم وأن يعمل

وأن يجمع بين تحصيل خيرى الدنيا والآخرة، هذه القصة ذكرها الإمام «أبو حامد الغزالى» فى نصيحته لأحد تلاميذه بعنوان: أيها الولد المحب، وكذلك فى غيرها من المصادر، القصة تقول: إن حاتم الأصمّ كان من أصحاب «شقيق البلخى» رحمة الله تعالى عليهما، فسأله يومًا قال: صاحبتنى منذ ثلاثين سنة ما حصّلت؟

قال: حصّلت ثمانى فوائد من العلم، وهى تكفينى منه، لأنى أرجو خلاصى ونجاتى فيها، فقال شقيق: ما هى؟ قال حاتم :الفائدة الأولى:

إنى نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوباً ومعشوقاً يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت، وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله، ويتركه فريدًا وحيدًا، ولا يدخل معه فى قبره منهم أحد.

فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل معه فى قبره، ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبة لى؛ لتكون لى سراجًا فى قبرى، وتؤنسنى فيه، ولا تتركنى فريدًا.الفائدة الثانية: أنى رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هى المأوى} النازعات 40 – 41. وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خلاف نفسى وتشمّرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى ارتاضت بطاعة الله تعالى وانقادت، الفائدة الثالثة: أنى رأيت كل واحد من الناس يسعى فى جمع حطام الدنيا، ثم يمسكه قابضًا يده عليه، فتأملت فى قوله تعالى:{ما عندكم ينفد وما عند الله باق} فبذلت محصولى من الدنيا لوجه الله تعالى ففرّقته بين المساكين ليكون ذخرا لى عند الله تعالى، الفائدة الرابعة: أنى رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزه فى كثرة الأقوام والعشائر فاعتز بهم.وزعم آخرون أنه فى ثروة الأموال وكثرة الأولاد، فافتخروا بها، وحسب بعضهم أن العز والشرف فى غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم.واعتقدت طائفة أنه فى إتلاف المال وإسرافه، وتبذيره، فتأملت فى قوله تعالى:{إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم}، فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حق صادق، وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل، الفائدة الخامسة: أنى رأيت الناس يذم بعضهم بعضًا، ويغتاب بعضهم بعضًا، فوجدت أصل ذلك من الحسد فى المال والجاه والعلم، فتأملت فى قوله تعالى:{نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا} فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى فى الأزل، فما حسدت أحدًا ورضيت بقسمة الله تعالى.الفائدة السادسة: أنى رأيت الناس يعادى بعضهم بعضا لغرض وسبب، فتأملت فى قوله تعالى:{إنّ الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا} فعلمت أنه لا يجوز عداوة أحد غير الشيطان، الفائدة السابعة: أنى رأيت كل أحد يسعى بجد، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به فى شبهة وحرام ويذل نفسه وينقص قدره، فتأملت فى قوله تعالى:{وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} فعلمت أن رزقى على الله تعالى وقد ضمنه، فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعى عمّن سواه، الفائدة الثامنة: أنى رأيت كل واحد معتمدًا على شىء مخلوق، بعضهم على الدينار والدرهم، وبعضهم على المال والملك، وبعضهم على الحرفة والصناعة، وبعضهم على مخلوق، مثله، فتأملت فى قوله تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرًا} فتوكلت على الله تعالى فهو حسبى ونعم الوكيل.فقال شقيق: وفقك الله تعالى.. إنى قد نظرت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثمانى، فمن عمل بها كان عاملا بهذه الكتب الأربعة».

والله الموفق