رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواجهات عملية للإساءات الغربية


بعيداً عن الصراع الأمريكى الليبى المتوقع أن تزداد وتيرته فى المستقبل، ومحاولة ربط الهجوم على السفارة الأمريكية فى بنغازى وقتل السفير الأمريكى وبعض زملائه بالقاعدة، فينتقل بذلك الصراع الناعم إلى صراع خشن علنى ضد ما تسميه أمريكا بالإرهاب،

وبذلك تبقى قضية الصراع العربى أو الإسلامى الأمريكى قائمة، حتى لو كان بعض الإسلاميين فى السلطة، أمريكا تسعى لذلك ولديها القوانين التى تعين فى هذا الأمر، والتحالفات المجنونة التى تدمر بلاداً بأكملها، وما أفغانستان والعراق عنا ببعيد، ولا التهديد المستمر ولا الحصار الظالم القائم على إيران، الذى إن تحول إلى صراع عسكرى فستكون الكارثة على المنطقة بأكملها بما فى ذلك دول الربيع العربى التى لن تكون بمنأى عن هذا الصراع، فالصراع كما أراه دائماً مدمر ومتطور ومطاط ومستمر ويزداد استخداماً للتقنية يوماً بعد يوم.

بعيداً عن هذا الهم الذى لا يغيب عن العقل فقد حضرت ندوتين فى لندن ببريطانيا، الأولى مساء الجمعة 14/9/2012، بدعوة من الدكتور هانى شعيب - القائم على الملتقى الثقافى المصرى العربى ببريطانيا - حيث يعقد الملتقى ندواته فى إحدى قاعات المركز الثقافى البولندى فى منطقة هامرسميث. كان المتحدث فى الندوة الإعلامى البارز خالد الشامى، الذى نفتقد حالياً برنامجه المتميز «أوراق مصرية» الذى كانت تبثه قناة «الحوار» لعدة سنوات والذى ساعد كثيراً فى إيضاح الصورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر قبل الثورة بفترة طويلة، ولمدة قصيرة بعد الثورة، تناول الأستاذ الشامى بالتحليل الموضوعى قضية التحديات التى تواجه الإعلام فى مصر بعد الثورة، ثم دار حوار جاد حول الموضوع أوضح اهتمام المصريين والعرب فى بريطانيا – كنموذج لبلاد الغرب جميعاً – بالثورات العربية خصوصاً الثورة المصرية، وصعود الإسلاميين للسلطة وموضوع الحريات، خصوصاً حرية التعبير. يعيش المصريون فى الخارج وقلوبهم وعقولهم معلقة بمصر وهموم مصر هى همومهم، وكثير من المتخصصين يتمنون مخلصين المساعدة والإسهام فى تنمية مصر، وتحولها الهادئ إلى الاستقرار والتنمية والديمقراطية الصحيحة.

أما الندوة الثانية فقد دُعيت إليها محاضراً بدعوة من دار الأبرار فى قلب العاصمة البريطانية، كانت المحاضرة عن المواقف العملية لنصرة النبى الأكرم «صلى الله عليه وسلم»، جراء الفيلم التافه المسىء.

مما أعتقده فى هذه القضية أن الإساءة للنبى «صلى الله عليه وسلم» هذه المرة من خلال هذا الفيلم التافه ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة فى وجود غرب خلع ربقة الدين من عنقه ومن الحياة وحصره فى الكنيسة، وفى وجود مستشرقين يخلطون بين الدين وبين أداء أتباعه، فيحملون الدين بالفهم الخاطئ سوء سلوك أتباعه فضلاً عن أنهم يكرهون الآخر، وأداء برنارد لويس شاهد حىَ دائم على ذلك وكنموذج لأداء معظم المستشرقين.

رأينا نشر الرسوم المسيئة فى معظم البلاد الأوروبية، وفى مجلات وصحف مجهولة فتنتقل بذلك إلى ميدان الشهرة والتوزيع الأوسع، ورأينا قساوسة مثل جونز الذى نادى بحرق المصحف فانتقل من قس مغمور لا يأبه به أحد إلى قس يخطب وده الجميع بمن فيهم الرئيس الأمريكى أوباما، كل من أراد الشهرة فى الغرب وهو مغمور يهاجم الدين الإسلامى بشكل خاص، والنتيجة معروفة. جموح العاطفة قائم، وتفريغ شحنة الغضب ضد أمريكا قد تطال بعض الأبرياء، ويقتل ويجرح من المسلمين المتظاهرين الكثير الذين لا يأبه بهم أحد، ويختلف الفقهاء فى حكم من قتل هل هو شهيد أم لا؟ كل هذا ونحن نستمتع باستيراد كل شىء تقريباً من الغرب حتى النظام السياسى، ولا نظن أن ذلك عدوان على الدين الإسلامى وعلى الرسول «صلى الله عليه وسلم» الذى قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى» والذى قال: «من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل مال فليعد به على من لا مال له».

أموال العرب والمسلمين تصب غالباً فى بنوك الغرب الذى يزعم أنه ليس بحاجة إلى تلك الأموال حتى لا يدفع عنها فوائد وهو يستثمرها لصالحه وليس لصالح العرب والمسلمين، بصرف النظر عن حرمة الفائدة البنكية، ولا يرى كثير من فقهائنا أن هذا عدوان على الدين والشريعة والرسول «صلى الله عليه وسلم».

فى ضوء ما يراه المواردى من أن الإمامة (أى مؤسسات الحكم) موضوعة لخلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا، وفى ضوء ما يراه ابن خلدون من ضرورة حمل الجميع على مقتضى النظر الشرعى فى المصالح الدنيوية والآخروية الراجعة إليها، وفى ضوء ما قاله أحد المسلمين الجدد فى الغرب عندما زار بعض بلاد المسلمين لمعرفة الدين ودراسة الشريعة، ورأى الفرق الشاسع بين الدين والسلوك، فقال معبراً عن ذلك خير تعبير: الحمد لله الذى عرفنى الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.

فى ضوء ذلك كله والواقع المؤلم وسوء الاستجابة الموضوعية للإساءات السابقة والشكلية والنمطية فى إنشاء مؤسسات جديدة لم تفعل إلا قليلاً، هناك مجموعة من المشروعات والبرامج العملية التى أعتقد صلاحيتها لنصرة النبى «صلى الله عليه وسلم» بعيداً عن العاطفة غير المتعقلة والعنف الذى يزيد الطين بله، وتكون نتيجته الأسوأ دائماً، أول هذه المشروعات: وضع تشريعات فى بلادنا كلها، الأعضاء فى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى، تحرم الإساءة للأديان وللذات الإلهية والرسل جميعاً والملائكة على أن توضح القوانين وتفصل معنى الإساءة، أما المشروع الثانى فى هذا الصدد: فيتمثل فى حمل هذه التشريعات إلى الأمم المتحدة من خلال دول حركة عدم الانحياز التى يزيد عدد أعضائها على المائة والضغط لإقرارها أسوة بما هو أقل أهمية متمثلا فى القوانين المعروفة بالمحرقة أو الهولوكوست وقوانين معاداة السامية وإلا لا داعى للمقاطعة أصلاً، أما المشروع الثالث: فيتمثل فى إنشاء قناة تليفزيونية تتخصص فى تناول وعرض حياة الرسول «صلى الله عليه وسلم» الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحربية بالتحليل الموضوعى والدروس المستفادة للبشرية اليوم على أن يكون البث فى هذه القناة بشتى اللغات.

أما المشروع الرابع الذى أراه نافعاً فى هذا الأمر فيتمثل فى تأليف وترجمة وطباعة ونشر الكتب الإسلامية التى تعبر عن الفكر الإسلامى الوسطى، خصوصاً فى القضايا الحساسة مثل قضايا المرأة والأقليات غير المسلمة، وأرشح لهذا الأمر كتاب «تحرير المرأة فى عصر الرسالة» للراحل العظيم الشيخ عبدالحليم أبوشقة رحمه الله تعالى، ومن الأسف الشديد أحرق بعض المتشددين من المسلمين ترجمة هذا السفر العظيم بالإنجليزية رغم أن كل ما فيه من استدلالات جاء من القرآن الكريم والسنة الصحيحة من البخارى ومسلم، وأرشح أيضاً كتاب «جلباب المرأة المسلمة» للمحقق الراحل الكريم الشيخ الألبانى رحمه الله تعالى، وهو الذى يؤكد فيه أن السلف رضوان الله تعالى عليهم أدركوا أن وجه المرأة وكفيها ليسوا بعورة، وأن الخمار يعنى غطاء الرأس كما أن العمامة للرجل غطاء الرأس.

أما المشروع الخامس: فيتمثل فى إنشاء مراكز فتوى وسطية مستقلة احتساباً لله تعالى، حيث تنتهى الفتاوى الشاذة التى تسىء إلى الأمة وتصورها أمة متخلفة تعيش خارج العصر، وهى خير أمة أخرجت للناس حين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.

والمشروع السادس: يتمثل فى المقاطعة التامة للغرب إذا لم يستجب للتشريعات المقترحة، والمقاطعة هنا لا ينبغى أن تقف عند حد الزبدة والجبن والمعلبات، بل يجب أن تشمل كل شىء خصوصاً استيراد الأسلحة وغيرها والعمالة الأجنبية أو تصدير النفط والثروات الأخرى.

أما المشروع السابع: فيتمثل فى المعاملة بالمثل فى كل شىء حتى فى التأشيرات للسياحة أو الزيارة أو التجارة، ويعوض ذلك مشروع التكامل العربى والإسلامى الذى ينبغى أن يشمل دول عدم الانحياز.

أما المشروع الثامن: وهو الأصعب فهو تقديم النموذج الإسلامى الصحيح المقنع الذى يعكس إيجابية فى النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشورى والحريات الواسعة، ولنحقق ذلك فى بلادنا قبل أن نطالب بالمفهوم الصحيح لقوله تعالى: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة».

إن الاتجاه العملى العقلى هو جزء مهم من البناء المستقبلى، وينبغى أن يكون أساساً فى كل استراتيجياتنا وسياساتنا، وعلينا أن نسعى فى الوقت ذاته بالحد من العاطفة الجامحة حتى ينضبط مسارها وتتوازن مع المنطق والعقل، والله الموفق.

يعيش المصريون فى الخارج وقلوبهم وعقولهم معلقة بمصر وهموم مصر هى همومهم، وكثير من المتخصصين يتمنون مخلصين المساعدة والإسهام فى تنمية مصر، وتحولها الهادئ إلى الاستقرار والتنمية والديمقراطية الصحيحة

الاتجاه العملى العقلى هو جزء مهم من البناء المستقبلى، وينبغى أن يكون أساساً فى كل استراتيجياتنا وسياساتنا، وعلينا أن نسعى فى الوقت ذاته بالحد من العاطفة الجامحة حتى ينضبط مسارها وتتوازن مع المنطق والعقل، والله الموفق