رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشروع الإسلامى والديمقراطية «2 ـ 5»


الوضع القائم حالياً فى العالم كله، ليست فيه ديمقراطية واحدة موحدة تمثل الجميع. بل هناك أشكال وأنواع من الديمقراطيات تملأ السوق السياسية، المهم فى النظام الديمقراطى ــ سواء أكان ملكياً أو جمهورياً ــ أن يشارك فى الحكم بصورة أو بأخرى، كل المواطنين المؤهلين حسب القانون، وليس المؤهلين علمياً فقط. هذه المشاركة من أولئك المؤهلين للاشتراك فى الانتخابات

على سبيل المثال ــ كأبرز آلية من آليات الحكم الديمقراطى ــ يقررون المصير السياسى ومستقبل الوطن. عندما تستقر الديمقراطية فى وطن ما تصبح نظاماً اجتماعياً وليس سياسياً فقط فى الحكم، بل سياسة اجتماعية واقتصادية يسير عليها المجتمع الديمقراطى.قديماً فى اليونان كان هناك نظام سياسى فى أثينا ولكنه كان نظاماً معيباً، حيث كان تفصيلاً للنخبة من الرجال الأحرار، وهذا كان يعنى فى وقته استعباد النساء والعبيد.. بدأ هذا الوضع فى الانقراض شيئاً فشيئاً، حتى استقر اليوم مع استقرار مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، الذى هو أحد أركان الديمقراطية الحديثة، وقد أخذ الدستور المصرى الجديد بهذه المساواة التامة، وخصوصاً بين الرجل والمرأة وبين المسلم والمسيحى وحتى اليهودى، لأول مرة فى جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.تتمثل أركان النظام الديمقراطى الليبرالى السائد اليوم فى حكم الأغلبية والتداول السلمى للسلطة، فضلاً عن الحريات والمساواة بين المواطنين وخصوصاً السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والتوازن بين السلطات فى المجتمع واستقلال القضاء، وهناك أيضاً اهتمام كبير بحقوق الأقليات، على عكس بعض الديمقراطيات غير الليبرالية التى تهمل بعض تلك الأركان.هناك ديمقراطية ليبرالية كما هو قائم فى معظم الدول الغربية اليوم حتى لو كانت ملكية مثل بريطانيا وهذا تطوير بالغ الأهمية، حيث كانت الملكيات ترتبط بالديكتاتوريات، حتى عرفنا ورأينا ملكيات تملك ولا تحكم، ورأينا جمهوريات تحكم وتملك وتستبد وتظلم وتغير الدساتير وتسعى للوراثة وتعمل كل شىء لصالح فئة معينة أو حزب معين، لا يعنيها الوطن ولا المواطن ولا القيم والمبادئ.

كثير من جمهوريات العالم العربى برزت مظالمها، ويحكمها مع بعض الملكيات المستبدة، بعض قيم ومبادئ ليست من العروبة ولا الإسلام فى شىء، وهذا سبب واضح من أسباب تخلف العرب اليوم عن مسيرة الحضارة العالمية، خاصة العلمية رغم النعم العديدة التى أعطاها الله تعالى لهؤلاء العرب، من ملكيين وجمهوريين أو إمارات أو سلطنات.هناك أيضاً ديمقراطية من نوع خاص فى روسيا بعد تفتت الاتحاد السوفييتى كان أساسها «البيروستورايكا الجوربا تشوفية»، ولكن ثقافة المجتمع تحتاج إلى وقت طويل، لتستقر ثقافة الديمقراطية فى المجتمع، ويتحرر الناس من فلسفة الأسوار الحديدية التى كانت تعزل شعباً أو شعوباً بأكملها عما كان يحدث فى العالم، لأن الذى كان يملك السلطة هو شخص واحد يركب فوق حزب واحد أو مجموعة قيادة ذات توجه واحد.هناك ديمقراطية شعبية فى الصين ولكنها تختلف أيضاً عن الديمقراطية الليبرالية الغربية التى تتغير فيها القيادات والسلطة دون توارث من خلال الفرص المتاحة سياسياً فى المجتمع والآليات الواضحة، ولكن هناك نظم مستبدة وثقافات مستبدة حتى مع قيام ثورات سياسية ضد الظلم والاضطهاد والاستبداد.كلما شاهدت استبداداً أو نفاقاً أو ظلماً دون السعى فوراً لرفعه، أو رأيت انتهاكات لحقوق الإنسان ولو بسيطة، أو رأيت قضاءً مسيساً غير مستقل تماماً، أو قوانين غير عادلة، فاعلم أنك فى دولة أو مجتمع لم تستقر فيه الديمقراطية بعد، لكى تصل الحالة الديمقراطية إلى ما نشاهده اليوم، كان هناك نكسات للنظام الحاكم، يتحدث التاريخ عن العصور المظلمة، ويتحدث عن العصور الوسطى فى الغرب «أوروبا» قبل اكتشاف أمريكا وأيضاً عن عصر أو عصور الإصلاح ثم عصور التنوير ثم الثورات فى الغرب، وخصوصاً الثورات فى أمريكا والثورة الفرنسية، وإلى اللقاء فى المقال الثالث.. والله الموفق