رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لكل عصر حضارته


قد تكون مصر مهد الحضارات، وهذا شرف لايدانيه شرف، ولكنها كذلك، وعلى مدى فترات طويلة، كانت بيئة احتضان وتطوير الحضارات العظيمة، بإرساء أسس ومعالم الحضارات الإنسانية كلها ومنها، الصينية والهندية والفينيقية والآشورية والإغريقية والرومانية والفارسية والحضارة الغربية المعاصرة ...

... شهدت مصر حضارات، من أهمها مثلث الحضارات العظيمة، الفرعونية والقبطية والإسلامية، وأيضاً أسهمت مصر من خلال انتسابها العربى والإسلامى فى نشأة الحضارة العلمية العالمية الحديثة وتطويرها. كان العالم يعيش مرحلة تاريخية تعرف فى التاريخ باسم العصور المظلمة، وكانت مصر كجزء من العالم العربى والإسلامى تعيش أرقى الحضارات العلمية، والاكتشافات والاختراعات فى شتى الميادين وفى مقدمتها، المجالات الهندسية والطبية والصيدلانية والرياضية والعمرانية والفلكية إلخ .. حتى حاول العرب الطيران، قبل أن يعرف الغرب غزو الفضاء بعدة قرون.

وللأسف الشديد توقفت الحضارة العربية والإسلامية الإنسانية العظيمة، لأسباب ليس هذا مجال تفنيدها، ولكن العالم العربى والإسلامى لايزال يتعثر ويمر ببعض تلك الأسباب مثل التفتت والتشرذم والصراع السياسى وتقييد الحريات، وانصراف بعض الحكام إلى الهيمنة على مقدرات الشعب، فضلاً عن الاستعمار المدمر. على العموم لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، والنهضة ليست بعيدة المنال عمن يعمل لها، والتفوق ليس مرتبطاً بقوم من الأقوام، ولا بلد من البلدان.ولكن النهضة والتفوق مراكب لمن يستطيع قيادتها، وهى آليات مسخرة لمن يفهم التسخير، ويسعى فى الاستفادة منه بجدية، حيث يأتيه بالضرورة وبالتوفيق ثمرة استخدام باب التسخيرالمفتوح أمام الجميع .

كان يوم الثلاثاء، التاسع من شهر شوال 1435هجرية، الخامس من أغسطس 2014، يوماً مشهوداً فى مصر، أطلق عليه البعض فى الإعلام اليوم التاريخى، أو العبور الثانى أو الثالث أو الحلم يتحقق، أو ضربة معلم، أو مشروع مصر القومى للقرن الواحد والعشرين، أو ملحمة وطنية جديدة.أو قناة السويس الثانية، أو السيسى يقود مصر للعبور، كل هذه التسميات يشملها مشروع محور قناة السويس الاستراتيجى.

أهم ما فى هذا المشروع الاعتماد، بعد الله تعالى، على الذات، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، أى كافيه عن الحاجة إلى الناس. هذا المشروع هو أول مشروعات التنمية القومية المستقبلية العملاقة، مشروع ضخم تواجه به مصر بل وتهزم منذ أول يوم فى تنفيذه البطالة التى هددت ولا تزال تهدد بناء المستقبل الرائد اللائق فى مصر، وإذ يعرض المشروع مليون فرصه عمل، فضلاً عن الفرص الأكثر التى يتيحها اكتمال المشروع، فإنه بذلك يبدأ مرحلة هزيمة البطالة قبل أن تهزمنا.

أهم أيضا ما يصاحب هذا المشروع، أن يؤكد الرئيس السيسى العودة إلى حسن تقدير قيمة الوقت. تعلمنا أن الوقت هو الحياة وليس من ذهب فقط كما يقول الغربيون الماديون، وإدراك الرئيس لهذا المعنى هو الذى دفع به لطرح تحدى الوقت. سنة واحدة لتنفيذ المشروع الذى وضع له مخططوه ثلاث سنوات. ولو أن كل وزارة وإدارة أدركت هذا المعنى، لتغيرت ثقافة الحياة فى مصر. لن ترى موظفاً يضع جاكته على كرسى المكتب، ويغيب حتى ينتهى الدوام ، ولن نرى موظفاً يقول للمراجعين تعالى بكرة، إلا من جاءه بتوصية من قريب أو حبيب أو غير ذلك.

وأهم ما فى هذا المشروع أيضاً، المعانى التى وردت فى كلمة الرئيس من أننا لن نسمح بتدمير الوطن. وأنه لن يستطيع أحد مهما كانت قوته بالداخل أو الخارج هزيمة الشعب المصرى. المشروعات العملاقة تحتاج إلى بيئة مناسبة ولا توجد بيئة مناسبة بغير الاستقرار، ومصر فى ظنى هى مقبرة الإرهاب الذى كان معول تدمير المنطقة من حولنا. هذا المشروع هو بداية حضارتنا المصرية الجديدة، وآمل أن يعلمنا معالجة المشكلات من جذورها، بعيداً عن سياسة المراهم والمسكنات والرحرحة المصرية.. والله الموفق.