رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من آداب الخلاف بين الفقهاء «1- 2»


قال الإمام الشافعى «رضى الله عنه»: «كلامى صواب يحتمل الخطأ وكلام الخصم خطأ يحتمل الصواب

إن من آداب الخلاف بين الفقهاء إحسان الظن وعدم التنابز بالألقاب،  فاختلاف المكان والزمان والأشخاص أدى إلى تعدد الفتوى فى المسألة الواحدة وتنوع المدارس الفقهية.

وهناك فارق كبير بين الاثنين، حيث إن الخلاف يرجع إلى وجود خلاف فى مسائل فرعية ظنية الورود و ظنية الدلالة، ومن هنا وقع الخلاف فى هذه المسائل الفرعية فى مصنفات كتب العلم والمنسوبة إلى الأئمة الكبار، أما الاختلاف فهو جدال فيه التعصب والتحزب والتمذهب بين أناس يهمهم إثارة  المعارك الجدلية فاشتغلوا بالفرعيات وتركوا الأصوليات، كما اشتغلوا بالجزئيات وتركوا الكليات، ولم يفطنوا إلى فقه الواقع ولا إلى فقه المصالح؛ وذلك لقوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شىء).

وتوجد آراء علمية معتبرة معتمدة فى مسألة فرعية ظنية الورود كأخبار الآحاد فى السنة أو ظنية الدلالة سواء أكان الدليل قطعى الورود أو ظنى الورود كالخلاف فى مقدار مسح الرأس والخلاف فى تفسير الباء فى قوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) فهذا خلاف له أسباب وإذا رجعنا إلى بداية المجتهد لابن رشد فإننا نجد أن الإمام كان يعتنى كثيرا بذكر سبب الخلاف فى الأمور الفرعية، ومثال ذلك صفة المخرج فى صدقة الفطر هل بالحبوب والطعام كما ظاهر الأحاديث أم بالقيمة؟ فمن ذهب أن الزكاة حق لله تعالى أخذ بظاهر النص فقال الحبوب والأطعمة ومن ذهب إلى أن صدقة الفطر حق للفقير نظر إلى المصلحة وأخذ بالقيمة.

كما يجب إحسان الظن وعدم التنابز بالألقاب وعدم تخطئة الآخر، فالمنقول عنهم فى المسألة هذا أولى وهذا أرجح وهذا مختار، وكما قال الإمام الشافعى «رضى الله عنه»: «كلامى صواب يحتمل الخطأ وكلام الخصم خطأ يحتمل الصواب». فالنبى «صلى الله عليه وسلم» علم أصحابه الأدب فى كل شىء، فمن ذلك (الحكمة ضآلة المؤمن وأحق بها إن وجدها) (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله  إخوانا)، وفى التطبيق العملى جعل حماية للمجتهدين وحصانة، فقال «صلى الله عليه وسلم»: (المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ له أجر).

وكانت أخلاق السلف الصالح فى الاختلاف مع بعضهم البعض تتضح فى الاتى: أولا المقصود بالسلف الصالح هم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين «رضى الله عن الجميع»، ومن جاء بعدهم خلف، ولا يطلق المصطلح على أحد الآن وإلا كان اعتداء على حركة التشريع والتاريخ، فكان أدبهم الأعذار، فكان يقول: «إن أخى ربما لم يدركه الحديث أو ربما أخى أشكل عليه الأمر».

ونظرة إلى المناظرات لا المجادلات، والأمثلة على ذلك كثيرة منها : المناظرة الراقية بين الإمام مالك بن أنس والإمام الليث بن سعد فى حجة أهل المدينة تكشف لنا عن الأدب الراقى السامى بين الأئمة الكبار كنموذج، فالصاحبان من الحنفية خالفا الإمام أبى حنيفة فى العديد من المسائل، وابن القاسم فى الفقه المالكى خالف الإمام مالك، وأصحاب الشافعى خالفوه فى العديد من المسائل، وابن قدامة خالف الإمام أحمد بن حنبل، بل إن ابن تيمية وابن القيم خالفا الإمام أحمد فى عشرات المسائل فلم يحملهم إتباع المذهب على تقليد أعمى.

أستاذ الشريعة بالأزهر الشريف