رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من نصائح الرسل عليهم الصلاة والسلام


«اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك « وقفت أمام هذه النصيحة الشاملة العظيمة لرسولنا الكريم محمد «صلى الله عليه وسلم»،

وقفة تأمل طويل هذه المرة عند قراءتها أكثر مما مضى من قراءات، ربما يكون ذلك لمظاهر وأوضاع جديدة أراها اليوم فى العالم العربى بصفة عامة، وفى مصر بصفة خاصة . التغيير الذى حدث فى مصر – كما أراه – كان إنجازاً ضخماً، وخروجاً من أنفاق مظلمة كان الشعب يمر من خلالها ويتعرض لها لسنوات عديدة، ثم توقف عن انحدار طال أمده ومداه، أعنى بذلك أيام وسنوات ما قبل ثورة 25 يناير العظيمة، مهما اختلفت حولها الآراء والتقديرات، أقف أيضاً أمام التغيير الذى حدث أيام المعزول مرسى، وهو تغيير هائل، لم يكن متوقعا أبداً حتى عند قيادات الإخوان فى مكتب الإرشاد أو فى الرئاسة أو فى الحرية والعدالة، سبق أن فشل جميع الحكام من فاروق إلى مبارك بدرجات متفاوتة فى إثارة الشعب المصرى ضد جماعة الإخوان، الشعب فى معظمه، يراها دعوة مظلومة ويتعاطف معهم ولكن أهم التغييرات التى حدثت أيام مرسى فى الحكم، برزت فى استثارة قطاع عريض من الشعب ضد تنظيم الإخوان المسلمين لممارساتهم العديدة السيئة التى كرهها الشعب قبل المؤسسات والأجهزة الحكومية . الشعب المصرى شعب أصيل وصبور وطيب، وكان من الممكن أن يظل على حبه للدعوة وللإخوان، لو أنهم فعلاً عملوا بما كانوا يقولونه من عدل ومساواة، وذلك لأن الشعب المصرى أصلاً يحب الدين سواء الدين الإسلامى أو المسيحى أو الدين اليهودى، ويؤمن المسلمون بكل تلك الأديان وبالكتب المنزلة جميعها وبالرسل أجمعين .ألمس أحياناً إغتراراً بفترة الشباب، وقليل من الشباب من يفكر فى الهِرم أى الكبر والشيخوخة وليس الهَرم، التفكير فى الهِرم من الشباب المؤمن بالتأكيد سيدفعه إلى حياة أفضل علماً وقولاً وعملاً . الصحة طبعاً لها مميزاتها ولها عيوبها وهى تشعر الإنسان بالقوة التى يمكن أن يستخدمها فى كل ماهو مفيد أو ماهو ضار، لايعبأ الإنسان الصحيح كثيراً بالأمراض ولا يستفيد حتى من مرض من هو أكبر منه كالوالدين أو الجدود، المرض يكون بعيداً عن تفكير الصحيح .أما الغنى فهو نعمة كبيرة ويمكن أن يستفيد الإنسان من الغنى فى أعمال الخير للإنسان والحيوان فيكسب محبة الناس ورضاء الله تعالى عنه وعن أعماله، وممكن أن يطغيه الغنى «كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى « فلا يعمل خيراً فى حياته يتناسب مع غناه، والغنى لا يقتصر فقط على المال، بل يشمل كل النعم التى أنعم الله بها تعالى على العباد، فالعلم نوع من الغنى لأن الناس تحتاج إلى العلم الصحيح، ويمكن أن يؤدى إلى الصلاح والخير والمودة والمحبة والأمن والاستقرار، أما ادعاء العلم فلابد أن يؤدى إلى المهالك وكفى بما يفعله علماء السلطان من مظالم، وما يفعله من يدعى العلم من رجال القاعدة وداعش ومن على شاكلتهم من مظالم وفتن تسود أوقاتنا، وتفقر بلادنا، وتمزق أوطاننا .

أما الفراغ فيكفى فيه قول الشاعر :

إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أىّ مفسدة ولو علم الناس كيفية الاستفادة من أوقات الفراغ، وتيسرت لهم سبل العمل مارأينا عاطلاً ولرأينا نهضة عظيمة كما نهض غيرنا ولذلك قال النبى صلى الله هليه وسلم « إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها». ويلخص كل ذلك ويجمعها النصيحة باغتنام الحياة قبل الموت، الحياة قائمة والموت قادم لا محالة . سافرت يوم الأربعاء قبل الماضى إلى لندن على الطائرة المصرية المسائية، تعرفت فى الطائرة على الأستاذ وجدى الحكيم، وفى رحلة العودة من لندن يوم الثلاثاء الماضى أى بعد أقل من أسبوع قرأت عن وفاة المرحوم وجدى الحكيم، ذهب الرجل رحمه الله تعالى ليقضى أجله فى لندن، حقاً « وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىَِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ