رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد تحقيق تنبؤ العرافة ليلى عبداللطيف.. لماذا يصدق المصريون "المنجمون" ؟

ليلى عبد اللطيف
ليلى عبد اللطيف

بينما الكثير لا يعتقد في التنبؤات التي يتنبأ بها الفلكيون مؤكدين أنه "كذب المنجمون ولو صدقوا"، تظل فئة كبيرة في المجتمع تصدق وتعتقد في الرؤى والتنبؤات، بل البعض لا يبدأ يومه إلا بعد قراءة الأخبار المنشورة حول "حظك اليوم" لجميع الأبراج الفلكية بناءً على توقعات خبراء الفلك.

مؤخرًا تصدرت خبيرة الفلك ليلى عبداللطيف، المشهد لتصبح محط جدل وإثارة بين رواد منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد أن تحققت بعض التنبؤات التي توقعتها في بداية العام الجاري، ومنها سقوط طائرة الرئيس الإيراني. 

السؤال الأبرز هنا، لماذا يصدق المصريون وكثيرًا من المجتمعات المجاورة مصادفات ليلى عبداللطيف وغيرها من رابطة خبراء الفلك؟.. ولعل إجابة هذا السؤال تكمن وراء سببين رئيسيين إحداهما له مرجع تاريخي.

خبراء الفلك والمنجمون في عصر الفراعنة

أولًا.. المرجع التاريخي لتفسير إيمان المصريين بمصادفات وتنبؤات خبراء الفلك

وفقًا للأبحاث والدراسات التاريخية، ففي بلاد الفراعنة العريقة، حيث تلتقي الحضارة بالتاريخ، وتندمج الأساطير بالحقائق، كان المصريون القدماء يعيشون حياة مليئة بالغموض والتساؤلات. وسط هذا الخليط الساحر من العلم والسحر، برز المنجمون كرموزٍ للمعرفة الغيبية والنبوءات. كانوا أشخاصًا يمتلكون القدرة على قراءة النجوم وفهم أسرار الكون، فتصبح كلماتهم بمثابة بوصلة تهدي المصريين في حياتهم اليومية.

كانت النبوءات تشكل جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة المصرية. من الفلاحين الذين يزرعون حقولهم على ضفاف النيل إلى الكهنة الذين يديرون المعابد، وحتى الفرعون الجالس على عرشه المهيب، الجميع كان يعتمد على المنجمين ليعرفوا مستقبلهم ويخططوا لأيامهم. في سوق المدينة، حيث يتجمع الناس لتبادل السلع والأخبار، يمكنك أن تسمع الأحاديث تدور حول توقعات المنجمين: "هل ستجلب لنا الأمطار هذا العام حصادًا وفيرًا؟" و"هل سينجح الفرعون في حروبه القادمة؟".

كان الاعتقاد في قدرة المنجمين على التنبؤ بالمستقبل يعزز روح الإيمان ويشعل فتيل الأمل في قلوب الناس. لم تكن النبوءات مجرد كلمات تُلقى في الهواء، بل كانت أساسًا لاتخاذ القرارات المصيرية، سواء في الزراعة أو التجارة أو حتى في السياسة والحروب. وهكذا، أصبح المنجمون أعمدة أساسية في هيكل المجتمع المصري، يمنحون الطمأنينة في الأوقات العصيبة، ويوجهون خطوات الناس نحو مستقبلٍ غامضٍ، بفضل حكمتهم المستمدة من مراقبة حركة النجوم والكواكب.

وتؤكد تلك الدراسات قصة النبي يوسف عليه السلام، التي ذكرت في الأديان السماوية كافةًـ ووثقت عداءه للكهنوت وقارئي طالع الفلك والنجوم، والخصومة التي كانت بينهم خلال فترة توليه منصب عزيز مصر.

ثانيًا.. أسباب نفسية وراء تصديق خبراء الفلك 

في سياق متصل، يقول الطبيب الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، ليس جميع الناس في مجتمعنا يصدقون المنجمين وغيرهم، ولكن نعم، هناك العديد من الأسباب النفسية التي قد تفسر لماذا كان المصريون القدماء، أو أي مجتمع آخر مثل مجتمعاتنا الآن، يميلون إلى تصديق خبراء الفلك والمنجمين، رجوعًا لوجود اضطرابات نفسية وراء ذلك، مفندًا تلك الأسباب على النحو التالي:- 

التقليد الثقافي:

في المجتمعات القديمة، كان المنجمون جزءًا مهمًا من النسيج الثقافي والديني. هذا الإرث الثقافي جعل الناس يثقون بهم ويعتمدون على نبوءاتهم كجزء من التقاليد المتوارثة.

الحاجة إلى اليقين والسيطرة:

يعيش الإنسان في عالم مليء بعدم اليقين. الظواهر الطبيعية، الأمراض، الكوارث، وغيرها من الأمور الخارجة عن السيطرة، فيتوقع الدكتور جمال فرويز، أن هذا الأمر يدفع الناس إلى البحث عن تفسيرات وتنبؤات تمنحهم شعورًا بالسيطرة والفهم. المنجمون يوفرون هذا الإحساس بالسيطرة من خلال تقديم توقعات حول المستقبل.

التأثير الاجتماعي:

ويضيف، عندما يرى الناس أن الأفراد المهمين في المجتمع، مثل الفرعون أو الكهنة، وكذلك الأشخاص ذو الأهمية والشهرة في مجتمعاتنا الأن، يعتمدون على المنجمين، فإن ذلك يعزز من مصداقية هؤلاء المنجمين في عيون العامة، مشيرًا إلى أن التأثير الاجتماعي يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل المعتقدات والاتجاهات.

الرغبة في الأمل والتفاؤل:

وتابع استشاري الصحة النفسية، التنبؤات الإيجابية تمنح الناس الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل. حتى في أوقات الأزمات، يمكن للنبوءات أن توفر الراحة النفسية وتخفف من القلق.

البحث عن المعنى:

وتابع، الناس يسعون دائمًا لفهم الأسباب الكامنة وراء الأحداث في حياتهم. المنجمون يوفرون تفسيرات تربط بين الأحداث اليومية وحركة النجوم والكواكب، مما يمنح الناس شعورًا بالمعنى والترتيب في عالم معقد وغير مفهوم.

تأثير التحيز التأكيدي:

ويواصل، البشر يميلون إلى البحث عن وتذكر المعلومات التي تؤكد معتقداتهم الحالية. إذا قدم المنجمون توقعات وتحققت بعض منها، فإن الناس يميلون إلى تذكر تلك الحالات الناجحة وينسون التوقعات غير الدقيقة، مما يعزز من إيمانهم بقدرات المنجمين.

ويردف استشاري الطب النفسي، جمال فرويز، هذه العوامل النفسية يمكن أن تفسر لماذا كان المصريون القدماء يميلون إلى تصديق المنجمين والاعتماد على نبوءاتهم في حياتهم اليومية، ولماذا يستمر حتى الآن قطاعات كبيرة في المجتمع بتصديق المنجمين وخبراء الفلك وانتظار توقعاتهم، بل والعمل بنصائحهم وإرشادتهم بدلًا من الاعتماد على العلوم والنظريات.