رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف أبوالهول: نتنياهو سمح بتهريب السلاح إلى «حماس» لتشويه المقاومة

أشرف أبوالهول
أشرف أبوالهول

- مدير تحرير «الأهرام» المتخصص فى الملف الفلسطينى فى ضيافة «الشاهد»

- انقسام قيادات «حماس» يعرقل التوصل لهدنة لأن القادة يخشون استهدافهم بعد تسليم الأسرى

- قائد من المقاومة قال لى «أسوأ ما فعلناه فى تاريخنا أننا عسكرنا الانتفاضة الثانية»

- «حماس» صناعة إسرائيلية لخلق فصيل إسلامى يتصدى لفصائل المقاومة اليسارية والمسيحية

- الغزاوية سيجبرون على ترك أرضهم عقب انتهاء الحرب لأنهم لن يجدوا مسكنًا ولا عملًا ولا طعامًا

- «فتح» جلست إلى طاولة المفاوضات مع الاحتلال بعد أن أيقنت أن الخيار العسكرى ليس حلًا

-  90% من الإرهاب فى سيناء كان مصدره غزة بتهريب السلاح أو تدريب العناصر التكفيرية

- ياسر عرفات ورفاقه أول من رفعوا السلاح فى وجه جيش الاحتلال عقب نكسة يونيو 1967

وصف أشرف أبوالهول، مدير تحرير صحيفة «الأهرام»، المتخصص فى الملف الفلسطينى، القضية الفلسطينية بأنها قضية الأفكار المغلوطة، مفندًا هذه الأفكار، وأولاها أن «حماس» هى الفصيل المقاوم الذى سيحرر فلسطين، وأن حركة «فتح» والسلطة «خونة باعوا القضية».

وأضاف «أبوالهول»، فى حواره مع برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، أن «حماس» تتعمد ابتزاز مصر والضغط عليها إعلاميًا، من خلال ادعاء غلق معبر رفح، لتتغاضى مصر عن استخدامها الأنفاق فى عمليات التهريب. وشدد على أنه لولا ما تتمتع به مصر من صبر وحكمة تجاه القضية الفلسطينية، لكانت تدخلت عسكريًا فى غزة منذ زمن، خاصة بعد ثبوت رعاية «حماس» الخلايا الإرهابية التى كانت تنشط فى سيناء، قبل أن تنجح الدولة المصرية، بفضل تضحيات قواتها المسلحة وشرطتها الوطنية وشيوخ قبائل سيناء، فى القضاء على الإرهاب، وتطهير «أرض الفيروز» من كل الجيوب والخلايا التكفيرية. 

■ ماذا تقصد بقولك إن القضية الفلسطينية قضية الأفكار المغلوطة أو الخاطئة؟

- من خلال تجربتى على مدى سنوات مع القضية الفلسطينية، وخلال وجودى فى قطاع غزة كمراسل للأهرام، وزياراتى المتعددة للضفة والقدس وغيرهما من المناطق، ومن خلال متابعة ما يدور فى الأراضى المحتلة بشكل لحظى، اكتشفت أن الناس لديها تصورات مغلوطة عن القضية الفلسطينية، مثل أن حماس هى المقاومة، والسلطة خونة، وهو ما يتنافى مع الحقيقة، وتكذبه الوقائع التاريخية.

وأول من قاوم الاحتلال كان ياسر عرفات ورفاقه، وكانت بداية الصدام مع قوات الاحتلال فى معركة الكرامة فى مارس عام ١٩٦٨، فى بلدة الكرامة الحدودية، فى فترة حرب الاستنزاف التى تلت نكسة ١٩٦٧، ثم تلتها صدامات أخرى فى بيروت وتونس وعمليات فدائية واغتيالات للقادة الإسرائيليين. وحين طلب الفلسطينيون الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الاحتلال، اضطروا لذلك بعد أن دفعوا ثمنًا غاليًا، وبعد أن أيقنوا أن هذه المعركة لن تحسم عسكريًا.

أيضًا نحن نتحدث عن احتلال مختلف، فمثلًا الإنجليز الذين احتلوا مصر فى السابق، والفرنسيون الذين احتلوا الجزائر، والإيطاليون الذين احتلوا ليبيا كان لديهم بلدانهم الأصلية التى يعودون إليها، ولكن اليهود حين مكثوا فى فلسطين كانوا مقتنعين أنها بلادهم، ولا بد أن يمكثوا فيها.

وتاريخيًا كان هناك جزء من اليهود يعيش فى فلسطين، وكان هناك انقسام فى بداية القرن العشرين بين كبار العائلات الفلسطينية مثل النشاشيبى والحلبى والحسينى، وهو العداء والتنافس الذى توارثناه بعد ١٠٠ سنة، وبالتالى لا يجوز أن نحكم على طرف من الأطراف بأنه وطنى أو غير وطنى.

وحماس بعد ٣٠ سنة من المقاومة وحمل السلاح وبعد عملية ٧ أكتوبر أدركت أن الحل العسكرى لن يحسم القضية.

■ ٧ أكتوبر وما بعدها حتى الآن تمثل نهاية مرحلة، وبداية مرحلة جديدة، هل تتفق مع هذا الطرح؟

- حماس بعد ٣٠ سنة أدركت أن الحل العسكرى لن ينجح، وحماس كانت تروج لتحرير فلسطين من البحر للنهر، وأن الدولة الفلسطينية ستقام على كامل التراب، وأنه لا يوجد تعايش مع الإسرائيليين، ولكن بعد الـ٧ من أكتوبر تغير هذا نتيجة القسوة والعنف الذى ردت به إسرائيل، والتدمير الهائل الذى حدث فى قطاع غزة، وللأسف تحول طوفان الأقصى لطوفان ضد الفلسطينيين وليس لصالحهم، وأطاح بغزة بالكامل، ودمر البنية التحتية بشكل كبير، وحين تتوقف هذه الحرب سيضج الناس بالشكوى، لكن الإعلام لن ينقل كل ما يقال، وهناك أسئلة مشروعة تدور فى أذهان الفلسطينيين عن جدوى ما فعلته حماس، والهدف من ورائه، وهل يستحق تبادل الأسرى جر القطاع إلى حرب مدمرة بهذا الشكل تسببت فى أسر إسرائيل لأضعاف ما كان لديها فى السجون، وقتل أكثر من ٣٥ ألف فلسطينى، وجرح وإصابة أكثر من ٨٠ ألفًا، وتدمير المبانى فى غزة، ومعظمها جرى بناؤه بمجهودات أهلية لم تكن كلها مبانى حكومية، بنتها العائلات التى عملت على مدى سنوات طويلة فى الخليج، وكان لديها أمل أن تعود لغزة، وأن تتحول غزة إلى سنغافورة؟

وللأسف جرى تدمير الآمال والأحلام، لذلك أعتقد أنه بعد أن تنتهى الحرب فمن المؤكد أن تحدث هجرة طوعية اختيارية ظاهريًا، لكنها فى الحقيقة هجرة إجبارية، والفلسطينى سيجبر على الخروج حتى دون سلاح، لأنه لن يجد عملًا ولا سكنًا ولا مرافق، فسيفكر فى الهجرة لمكان يهاجر إليه حتى يعمل ويبنى عائلته مرة أخرى، وهنا سيكون الاختبار الحقيقى للفلسطينى الذى بذل من عمره سنوات وتحمل المشقة ومرارة الغربة، فهل سيفكر الفلسطينى فى المغامرة ويعود لغزة أم أن يستمر فى الغربة؟

وحتى قبل السابع من أكتوبر كل عمليات الهجرة غير الشرعية التى كانت تتم عبر سواحل المتوسط كانت من الفلسطينيين، لأن نسبة التعليم عالية، والشباب لديهم قدرات عالية، ودول كثيرة تستقبل طلاب فلسطين وتعطيهم منحًا دراسية، ولكن لم تكن هناك فرص عمل فى غزة بشكل خاص بعد انتهاء التعليم، والفلسطينيون لديهم ثقافة وتعليم عالٍ، وحماس تحكمهم حكمًا ثيوقراطيًا دينيًا.

حاليًا كل هؤلاء الشباب يخرجون من غزة، وللأسف ما حدث فى الـ٧ من أكتوبر كان كارثيًا على كل الأصعدة، وسيؤدى إلى تغيير كبير فى كل شـىء، بما فيه مفهوم المقاومة، لأن الفلسطينيين كانوا يعتقدون أن المقاومة قادرة على إيقاف الإسرائيليين وحماية غزة.

وحين نفذوا عملية طوفان الأقصى كان الهدف الحصول على أسرى إسرائيليين والتفاوض على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وثبت أن فكرة الهجوم كانت خاطئة، لأنه كان لا بد أن يكون هناك قياس لرد فعل الطرف الآخر، لأن من خطط ونفذ طوفان الأقصى كان يعتقد أنه باختطاف أسرى ونشرهم فى غزة والإبقاء على جزء منهم فى مستوطنات غلاف غزة الحدودية، يجبر إسرائيل على التفاوض ويغل يدها ويمنعها من قصف غزة، وهذا يفضح وجود قصور لدى حماس فى فهم تكتيكات القتال ونفسية وعقلية من يحكمون إسرائيل.

وشاهدنا الرد القاسى للإسرائيليين، ورأينا أن ما خطط له المقاوم الحمساوى كان ساذجًا ولم يأخذ فى الحسبان مختلف السيناريوهات المتوقعة لرد فعل الإسرائيليين، وجميعنا يعرف أن مصر حين خططت لعبور القناة فى أكتوبر ١٩٧٣ كانت تدرس كل السيناريوهات رغم كل ما لديها من إمكانات عسكرية جبارة.

■ هل نستطيع القول إن عملية ٧ أكتوبر وما تبعها من رد فعل إسرائيلى تمثل عملية صدمة إفاقة لإنعاش الوعى الفلسطينى؟

- الأمر أشبه بمعاقبة طفل فعل شيئًا خاطئًا وجرت معاقبته بإجباره على تناول الشطة، ما فعلته إسرائيل من رد قاسٍ وعنيف ودموى لأبعد الحدود سيجبر حماس على التفكير العميق قبل الإقدام على تكرار ما حدث، لأن ما فعلته إسرائيل سيبقى عالقًا فى أذهان حماس وأذهان الأجيال المستقبلية.

والحقيقة أن الوضع على الأرض أسوأ مما يجرى تسويقه فى الإعلام، فالإعلام داخل غزة يريد أن يخرج صورة إيجابية لكى يتحد الجميع مع بعضهم البعض، وادعاء أن «طوفان الأقصى» غيرت المسار، وهى بالفعل غيرت المسار، لكن لصالح إسرائيل وليس لصالح الفلسطينيين، وهذه نتيجة سلبية لعملية طوفان الأقصى.

والهدف الإسرائيلى من الحرب على غزة أن يتم القضاء على حماس واستعادة الأسرى، وإسرائيل لم تفشل فى تحقيق أهدافها، لأن لديها أهدافًا أكبر من ذلك، أهمها القضاء على مستقبل غزة والفلسطينيين، من خلال عملية التدمير الممنهج للقطاع وتقسيمه لمربعات وتدميرها كلها.

والإسرائيليون عندما يدخلون مدينة لا يخرجون منها إلا بعد تدميرها، والمدن فى غزة والبيوت عبارة عن كتل، وكانت تمثل أزمة للإسرائيليين قبل «طوفان الأقصى»، لأنها لا تستطيع الدخول فى حرب برية مع هذه الأعداد دون مبرر قوى.

وفى الأيام الأخيرة سحبت إسرائيل معظم قواتها من قطاع غزة، وكانت تريد أن تدير المعركة بالطائرات المسيرة بـ١٧ نوعًا من الطائرات للتصوير والقصف الدقيق، وبالتالى بعد عملية التمهيد بالتدمير للأحياء أصبحت لديها قاعدة بيانات عن معظم قيادات وعناصر المقاومة، لدرجة أن الصحف الأمريكية تحدثت عن أن إسرائيل تستخدم برامج الذكاء الاصطناعى المزودة بقواعد بيانات ٣٧ ألفًا من عناصر المقاومة، ٣٠ ألفًا من حماس، و٧ آلاف من الجهاد الإسلامى.

وهذه البرامج لديها القدرة على التجسس وتحديد أماكن عناصر المقاومة، وقصفها على الفور بالطائرات المسيرة التى تستطيع إصابة الأهداف بدقة، وسبق استخدامها فى اغتيالات سياسية فى لبنان ضد قيادات حماس.

■ كيف ترى مستقبل حماس؟ وهل سينتهى وجودها؟

- فكرة بقاء حماس فكرة إشكالية، حماس يُنظر لها على أنها رمز للمقاومة، والمقاومة مستمرة وموجودة لدى الشعب الفلسطينى ليس من اليوم أو من حماس، لكن موجودة منذ ١٩٤٨، وفتح أسبق من حماس. 

حماس مجرد حلقة فى سلسلة المقاومة، لكنها ليست المقاومة كلها، وعناصر حماس جزء من الشعب الفلسطينى، وتجد فى البيت الفلسطينى ٣ إخوة من حماس وفتح والجهاد، فالفكرة موجودة، لكن الأدوات التى تحت يد حماس هى التى ستختلف، عندما مُكنت حماس من غزة بقرار إسرائيلى راكمت قوتها العسكرية، وقبل عملية ٧ أكتوبر بأيام كانت تجرب صواريخ يوميًا من غزة باتجاه البحر، وإسرائيل كانت ترى ذلك.

حماس قبل ٧ أكتوبر بأيام نفذت استعراضًا عسكريًا فى شوارع غزة، وعناصرها ساروا فى الشوارع علنًا، لكن نتنياهو كان دائمًا يتباهى بأنه يحافظ على الانقسام بين حماس وفتح.

وقبل الانسحاب الإسرائيلى من غزة فى ٢٠٠٥، هناك مسئول أمنى إسرائيلى قال: «عندما ننسحب من غزة، غزة ستقع تحت سيطرة حماس، وستكون غزة حماسستان والضفة فتحستان».

كانوا يراهنون على أنهم بعدما يتركون حماس تسيطر على غزة، وفتح تسيطر على الضفة سيدخل الفصيلان فى صراع قوى، والإسرائيليون ساعدوا على تعميق الانقسام بين حماس وفتح، وقبل الانسحاب من غزة تعمدت إسرائيل ضرب مقرات السلطة الفلسطينية وأضعفوها لكى لا تستطيع مواجهة حماس.

وتعمدت إسرائيل تسليم غزة إلى حماس، والبعض يخشى تكرار هذا السيناريو مرة أخرى بعد نهاية هذه الحرب، بمعنى أن إسرائيل تحافظ على الانقسام وتسلم غزة لبقايا حماس بشرط نزع السلاح.

■ هناك من يقول إن حماس صناعة إسرائيلية، والإبقاء عليها يخدم الاحتلال، ما تعليقك؟

- حماس أصبحت عبئًا على إسرائيل؛ لأن نتنياهو كان يظن أنه استطاع السيطرة على حماس، لكن هناك لاعبون آخرون فى المنطقة احتووها واستخدموها، وجرى تأليه حماس ورموزها وجعل الفلسطينيين يؤمنون بأنها فصيل المقاومة الوحيد القادر على تحرير فلسطين، وبالتالى انقلبت على إسرائيل، لكننا جميعًا نعلم كيف ظهرت حماس.

المقاومة فى السبعينيات والثمانينيات كانت معظمها من اليسار الفلسطينى، أى الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وكان جزء كبير من قيادات المقاومة قيادات مسيحية فلسطينية أو مسيحية عربية.

وإسرائيل قررت أنه لكى تضرب فكرة اليسار والمقاومة العلمانية فعليها دعم ظهور حماس لتكون بطابع إسلامى، لأن التيار الدينى المحافظ سينشغل أكثر بمواجهة اليسار وليس مواجهة الاحتلال، فسمحت إسرائيل بإنشاء ما سمى بالمجمع الإسلامى الذى يعد الحاضنة الأولى لحماس.

وكل تصريحات المعارضة الإسرائيلية كانت تحذر نتنياهو من حماس، ونتنياهو فى كل انتخابات يتباهى بأنه من يبقى على الانقسام بين الفصائل.

وجزء كبير من المجتمع الإسرائيلى رد على ادعاءات نتنياهو بأن الأسلحة تأتى لحماس عن طريق الجانب المصرى، وقالوا له لا، إن الأسلحة كانت تلقيها سفن قبالة سواحل غزة وأنت كنت تتغاضى عن ذلك.

وأنا التقيت قادة من المقاومة فى بيت لحم أيام الانتفاضة الثانية، وأحدهم قال لى: أسوأ حاجة فعلناها فى تاريخنا أننا عسكرنا الانتفاضة الثانية.

قال لى إن الانتفاضة الأولى كانت عبقريتها أن الطفل الفلسطينى يتصدى للدبابة بالحجر ووقتها حصدنا تعاطف العالم، لكن فى الانتفاضة الثانية أخطأنا بأننا سمحنا بعسكرتها.

وقال لى أيضًا: «إحنا لما كان يجيلنا مسدس أو بندقية كنا نبقى مبسوطين قوى إن معانا سلاح وسنواجه إسرائيل، إلى أن اكتشفنا أن إسرائيل هى التى تهرب لنا هذه الأسلحة، علشان نستخدم البندقية فترد علينا بالطيارة، وأن تقول للعالم إن انتفاضتنا ليست سلمية».

الشىء نفسه ينطبق على غزة، عندما كان يسمح لحماس بإدخال الأسلحة، ولكن فى النهاية هذه الأسلحة لها قدرات محدودة جدًا، وحماس أطلقت آلاف الصواريخ لكن ما أثرها فى حسم الصراع!

وكنا نتباهى بأن القبة الحديدية فى إسرائيل أسقطت ٥٠٪ فقط من الصواريخ، لكن هذه المنظومة الدفاعية مصممة من أجل ذلك، من أجل التصدى للصواريخ التى تستهدف أهدافًا مهمة مثل المنازل والمدارس والكنائس، لكن إذا كان الصاروخ سيسقط فى أرض خلاء فإن القبة الحديدية تتجاهله.

فعندما أسمع كمواطن من ضمن الأفكار المغلوطة أن المقاومة أطلقت ٥٠٠ صاروخ والقبة تصدت لـ٢٥٠، كنت أقول هناك ٢٥٠ صاروخًا سقطت فى أرض خلاء.

وهذه هى الطريقة الإسرائيلية التى تشعرك بأن الطرف الآخر يوازيها فى القوة، وأنه فى منتهى الخطورة، وتحاول إيهام العالم بأنها تتعرض لخطر وجودى، وأنها مضطرة لاستخدام القوة المفرطة فى القضاء على الطرف الآخر.

وعملية السابع من أكتوبر كانت لها فكرة مختلفة، لأنها عملية اقتحام تمت بحوالى ٣ آلاف عنصر كانوا مقسمين إلى ٣ مجموعات، مجموعة تأسر مدنيين من مستوطنات الغلاف وتنشرهم فى غزة لتمنع إسرائيل من ضرب غزة.

ومجموعة أخرى للاستيلاء على المستوطنات نفسها وتظل بها، والمجموعة الثالثة لمواجهة أى هجوم برى إسرائيلى، وكان ذلك بالنسبة للإسرائيليين تطورًا نوعيًا، فأنت لا تطلق صواريخ فقط، بل دخلت وتريد السيطرة على المكان، وهنا بدأت تتشكل صورة الرد الإسرائيلى.

■ ما كواليس الانقسام السياسى والعسكرى داخل حركة حماس؟

- الاحتلال الإسرائيلى يتعمد نشر مبرراته حول هدم المناطق السكنية، بأنها ليست من أجل استهداف المدنيين، ولكن بهدف السيطرة على الأنفاق وأعضاء حركة حماس المختبئين تحت هذه المنازل، وذلك كان جزءًا من الأخطاء الناتجة عن الانقسام داخل حماس.

الانقسام داخل حركة حماس فى الأساس هو انقسام بين القيادات السياسية والعسكرية، ومن المعروف أن الكلمة العليا فى حماس للقيادات العسكرية، الذين يملكون السلاح والموجودين فى الميدان، ولكن القيادات السياسية هى الوجهة للحركة، وهى المسئول الأول عن جمع التبرعات والمساهمات من الخارج.

وبعد صفقة شاليط، وهى صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية والاحتلال الإسرائيلى عام ٢٠١١، خاصة حين خرج يحيى السنوار من الأسر، كانت علاقته جيدة مع الجناح العسكرى، وانتخب كرئيس للمكتب السياسى لحركة حماس داخل غزة، وفى ذلك الحين تعاظم نفوذ يحيى السنوار بسبب علاقته بالجناح العسكرى، وبالتالى، خرج قادة الجناح السياسى واحدًا تلو الآخر للاستقرار فى دول أخرى، حتى أصبحت هناك مجموعة أخرى تابعة للسنوار وهى التى تحكم غزة.

■ لماذا تعطل «حماس» مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى؟ 

- القيادات السياسية داخل حركة حماس تدرك تمامًا أنها إذا وافقت على الحلول السياسية بشأن تبادل الأسرى والرهائن، سيتم استهدافها فيما بعد، وهناك خبرات سابقة فى ذلك الأمر، حين قاد أحمد الجعبرى مفاوضات «شاليط»، وبعد عام واحد فقط قام الاحتلال الإسرائيلى باغتياله.

وحركة حماس لديها قناعة شديدة بأن أى حل سياسى ستكتفى فيه إسرائيل بتسلم الرهائن وهدنة لفترة قليلة، ثم ستعود إلى الانتقام على الفور، وذلك أحد الأسباب الرئيسية لتعطيل أى تسوية تخص ملف المفاوضات والهدنة.

وهناك خلاف واضح بين القيادة السياسية لحماس والقيادة العسكرية للحركة بشكل غير معلن، وهذا سبب من أسباب تعطيل مفاوضات الهدنة.

■ ما تقييمك لدور مصر فى ملف القضية الفلسطينية؟

- القيادات المصرية لديها صبر كبير فى التعامل مع ملف القضية الفلسطينية، وإن كانت هناك أى دولة أخرى تقع بالقرب من غزة وتتأثر بها كالدولة المصرية، لكانت تدخلت عسكريًا ضد غزة، فمن المؤكد أن ٩٠٪ من الإرهاب فى سيناء كان مصدره غزة، سواء من خلال تهريب السلاح أو تدريب العناصر الإرهابية.

هناك إشكالية كبيرة للغاية داخل حركة حماس، وهى ما يسمى بـ«أبناء المساجد»، وهم الأطفال الأيتام وأبناء العائلات الفقيرة، الذين كان يجندهم جناح الدعوى فى غزة، ثم يتم تسليمهم لأئمة مساجد من أجل زرع الكراهية بداخلهم لكل شىء، ثم تأتى المرحلة الثانية، وهى التدريب على السلاح، حتى يصبح لدى الشخص عقيدة تقوم على الكراهية، وفى نفس الوقت يجيد استخدام السلاح، والذين كانوا يمثلون خطرًا دائمًا على مصر، وجزء كبير منهم شارك فى الإرهاب ضد مصر.

وبعد حرب مايو ٢٠٢١ فى غزة، كانت مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى أسهمت فى إعادة الإعمار فى غزة بقيمة ٥٠٠ مليون دولار.

■ كيف ابتزت حركة حماس مصر؟

- لولا الموقف المصرى برفض التهجير القسرى للفلسطينيين، لخرج سكان غزة وانتهت القضية الفلسطينية بشكل تام، ورغم ذلك يتم اتهام الدولة المصرية دائمًا بإغلاق معبر رفح، ولكن مصر دائمًا ما تضغط على إسرائيل لفتح المعابر الأخرى أيضًا وليس معبرًا واحدًا فقط.

ومصر دفعت ثمنًا باهظًا فى الوقوف بجانب القضية الفلسطينية، ولكن حركة حماس دائمًا ما تستخدم أسلوب الابتزاز ضد الدولة المصرية، حتى تسمح لها مصر بفتح الأنفاق، فى الماضى، من أجل إدخال كل شىء من خلالها.

وكانت حماس تبتاع البنزين من مصر بأسعار قليلة، وتبيعه فى غزة بأسعار باهظة للغاية، ومن هنا استطاعت الحركة تكوين ثروة كبيرة، وبنت إمبراطورية اقتصادية داخل غزة، وبالتالى، دفعت مصر ثمنًا قاسيًا لدفاعها عن القضية الفلسطينية.