رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بطولة "سيد البلد".. زعيم الثغر

لست من المهووسين بلعبة كرة السلة ولا أنا من الحريصين على متابعة مبارياتها، فأنا كغالبية المصريين نشجع كرة القدم ونعرف نجومها ونتفاعل مع مبارياتها وننفعل بنتائجها. أما علاقتي بلعبة كرة السلة فلم تزد عن كوني- وبسبب طولي الفارع- كنت مدعوا بصورة شبه دائمة من زملاء الدراسة في المدرسة الثانوية لأشاركهم ممارسة اللعبة في حصة الألعاب، وغالبا ما كان يخيب ظنهم بعدها، إذ إنني لا أملك مهارات اللعبة ولا اعرف قوانينها ولا أفهم تكتيكاتها.

علاقتي بكرة السلة كان مصدرها مباريات تابعناها قديما عبر التليفزيون، وحمسنا لمشاهدتها معلق متميز بقيمة الراحل كابتن رياض شرارة، ومهارات كان يجيدها ظاهرة اللعبة محليا وقاريا في الفترة بين عامي 1980 وحتى 1987 كابتن مدحت وردة وزميله كابتن عمرو أبوالخير، ونقاط كان يسجلها بكثافة كابتن محمد سيد سليمان (سلعوة)، وبطولات كان يحرزها منتخبنا الوطني وسط حضور جماهيري كثيف في الصالة المغطاة، حيث كان صوت الجماهير يملأ المنافسين رعبا ويزيد لاعبينا حماسا، لينتهي الأمر غالبا ببطولة لمصر نفرح بها في سن الصبا وبواكير الشباب.  
ولكنني تابعت بالمصادفة مباراة في كرة السلة مساء الخميس الماضي، بين فريقي الاتحاد السكندري والأهلي على لقب بطل كأس مصر.

وبصرف النظر عن تعليق الجمهور والنقاد وآرائهم في مستوى الأداء التحكيمي للمباراة، إلا أنني شاهدتها بقدر كبير من التشويق والحماس. مجريات المباراة كانت في غاية الإثارة من تقدم كبير في النقاط للفريق السكندري، ثم تعويض وتقدم للفريق القاهري، لتنتهي المباراة بحسم الاتحاد النتيجة وحصوله على كأس مصر بفارق ثلاثة نقاط.

 لا أخفيكم أنني شعرت بالسعادة الشديدة لفريق الاتحاد، ليس نكاية في منافسه- لا سمح الله- ولكن للأمر عندي بُعد أهم بكثير من مجرد لعبة أو مباراة أو حتى بطولة. الأمر عندي مرتبط بفكرة المنافسة الدائمة بين العاصمة والأقاليم، أو ما يسميه المثقفون بصراع السيادة بين القلب والأطراف، أو بمعنى أوضح استئثار العاصمة بكل المزايا وحرمان الأقاليم من الحدود الدنيا للسعادة، سواء في مجال الرياضة أو غيرها. غير أنه من باب الإنصاف القول إن هذا الأمر كان يمثل ظاهرة شديدة الوضوح قديما في كل القطاعات، بدءا من الرياضة وصولا إلى حظوظ كل محافظات الأقاليم من الخدمات المقدمة لها من الدولة، لكن الصورة تغيرت تماما منذ تولى الرئيس السيسي سُدة الحكم في البلاد.

أجل، فمحافظات الأقاليم أصبحت محل نظر القيادة السياسية وموضع عناية الدولة، إذ أصبحت المعايير التي توزع بها حصص المحافظات من الموازنة العامة ومن المشروعات القومية ومن توفير فرص العمل، كلها معايير موضوعية لا تفرق بين قاهري أو صعيدي أو فلاح، بين مواطن يسكن الشمال أو شقيقه الذي يسكن الصعيد. صارت فرص الترقي لمناصب عليا أو الالتحاق بكليات عسكرية أو اختيار مكان لإقامة مشروع قومي كلها معايير موضوعية تتم بشفافية وبصورة علمية بل وبعدالة، وذلك هو المعيار الأهم في منظور الدولة بكل أجهزتها، العدالة.

ولكن الأمر في مجال الرياضة يحتاج مزيدا من الجهد على نفس المستوى. فلا تزال البطولات والفعاليات الرياضية والإنشاءات تذهب غالبا للعاصمة ومؤسساتها، في حين تكتفي الفرق الشعبية والجماهيرية التي تمثل محافظات الأقاليم بشرف المشاركة في البطولات وبالتمثيل المشرف. لا يخفى علينا فعلا ما تتطلبه رياضة المنافسة من إمكانات ومبالغ ضخمة، وما يتعرض له المواهب الرياضية النادرة الذين تكتشفهم أندية المحافظات من استقطاب كبير من أندية الشركات وأندية العاصمة، وغالبا ما يرضخ اللاعب في هذه الحالة للضغوط ، لا سيما إذا ضمن له الانتقال لنوادي القاهرة تحقيق جماهيرية أوسع، وحضورًا إعلاميًا أكبر، وأموالًا أكثر، فيكون قرار اللاعب ساعتها ترك محافظته إلى حيث تتحقق أحلامه ويجد مصلحته.

وهكذا صارت أندية الأقاليم مجرد مورّد أو مفرخة للكبار في زمن أصبح الموهوب الحقيقي عملة نادرة في سوق الفن أو عالم الرياضة. ومن هنا جاءت سعادتي البالغة بفوز الاتحاد السكندري ببطولة كأس مصر لكرة السلة تعاطفا مع جماهير الأندية الشعبية في الأقاليم عموما، حيث التعطش للفرحة البريئة، سعادتي وأمثالي كثر نراها تحفيزا للمسئولين عن تلك النوادي الذين يبذلون جهدا ومالا ووقتا في سبيل إعلاء اسم محافظاتهم على المستوى الرياضي، بعيدا عن بريق الأضواء في العاصمة.

في الحقيقة أنا أرى مسألة احتكار أندية القاهرة البطولات والإعلانات والتسويق المالي الكبير أمرا محبطا للأندية الشعبية في المحافظات، ولكنني في ذات الوقت لا أعرف كيف يمكن لوزارة الرياضة تجاوز هذه المعضلة. قد يرى البعض أن المنافسة الشريفة هي الفيصل ليفوز الأكفأ في النهاية. يبدو هذا الرأي وجيها في أحد جوانبه، لكنه يفتقر إلى عنصر الموضوعية. إذ علينا أن نسلم بفكرة المنافسة الشريفة فقط عندما تتوافر ذات الإمكانات أمام كافة المتنافسين، ساعتها علينا أن نقبل أن يكون الفائز في أي منافسة رياضية ناديا قاهريا أو سكندريا أو من الصعيد.