رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. إلهام سيف الدولة تكتب: الشوباشى والإبحار فى المسكوت عنه بين "الشيخ والفيلسوف"

د.إلهام سيف الدولة
د.إلهام سيف الدولة حمدان

رجاءً.. دام فضلكم:  اربطوا الأحزمة؛ لنحلق سويًا في آفاق عوالم الأرجوحة الأبدية بين الشك واليقين؛ أي مابين الملموس والميتافيزيقا؛ ولنعود بعد تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر؛ إلى أرض الواقع بلا إجابة واحدة شافية مقنعة؛ لأن أحبال الجَدَل ـ لا النقاش ـ ستطول وتطول؛ وكل الخشية أن تلف تلك الحبال حول أعناق البعض؛ وسيحاول البعض الآخر؛ أن يضع تلك الحبال حول عنق أي من المتحاورَيْن؛ لأننا مازلنا لم نصل إلى النضج الذهني والعقلي بعد؛ وهذا القصور يأتي بالعديد من الأسباب التي ـ قد ـ تبدو منطقية؛ ذلك لأننا نقف قي حيرة بين هؤلاء وهؤلاء؛ كمن يقف في مفترق طرق كثيرة ومتشعبة في فضاء لانهائي؛ لاتدركه الأبصار ،، ولا القلوب !.

ولكن الواجب والمنطقي أن نقرأ ونقرأ ونقرأ؛ ولا بد أن تكون القراءة بإمعان وحيادية قدر المستطاع؛ فلا أحد من البشر على وجه الأرض يمتلك مفاتيح الحقيقة المطلقة ـ وإن ادعى البعض ذلك ـ ولا أحد لديه الشجاعة في الاقتناع والقناعة بـ"الرأي الآخر"؛ حتى لو تشابه في مضامينه وأهدافه مع رأيه الذي أعلنه؛ ولكنها بذرة العناد التي وضعها "إبليس"؛ مذ أعلن العصيان والتمرد؛وخالف سلطة الخالق الأعظم.. وخالقه! _"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" (البقرة 34).

" وإذ قلنَا للمَلائكة اسجٌدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس قال ءأسجُدُ لمَنْ خَلَقْتَ طِينا" ( الإسراء 61).

"وإذ قلنا للملائكة اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس كَانَ مِنَ الجِـنْ ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدَلا "( الكهف 50 ) ).

الشيخ والفيلسوف| شريف الشوباشى: لم أكتب أى شىء ضد الدين والناس الآن لا تثق ثقة عمياء فى الشيوخ

وهنا اختلف أهل التأويل في معنى قوله (كان من الجن) فقال بعضهم: إنه كان من قبيلة يقال لهم الجن؛ وقال آخرون: بل كان من خزان الجنة؛ فنسب إلى الجنة؛ وقال آخرون: بل قيل من الجن؛ لأنه من الجن الذين استجنوا عن أعين بني آدم.

وتقول كتب التراث: "كان اسمه قبل أن يركب المعصية عزازيل؛ وكان من سكان الأرض؛ وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما؛ فذلك هو الذي دعاه إلى الكبر؛ وكان من حي يسمى جنا!.

من هنا يحتدم الصراع الفكري حتى بين أهل التأويل وعشاق كتب التراث؛ والخلاف والاختلاف على "كنه إبليس"؛ وهل هو من الملائكة أو الجن! فما بالنا بالصراع بين الشيخ والفيلسوف والحرب الباردة غير المعلنة بينهما؛ وتلك هي الإشارة ـ وموضوع مقالي اليوم ـ  إلى ماتم تنظيمه بمكتبة القاهرة الكبرى مساء الأحد 21 إبريل 2024م تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة؛ وإشراف المخرج خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، وتحت إشراف يحيى رياض يوسف القائم بأعمال مدير عام المكتبة حفــلًا ثقافيًا لمناقشة وتوقيع  رواية "الشيخ والفيلسوف" للكاتب الصحفي  المخضرم المفكر المستنير شريف الشوباشي؛ وشارك فى المناقشة كل من الكاتبة والشاعرة الرائعة فاطمة ناعوت والعالم الجليل أ.د. أشرف منصور رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب / جامعة الإسكندرية؛ وأدار اللقاء الكاتب المائز د. خالد الخميسى رئيس مجلس إدارة المكتبة؛ وبحضور كبار الشخصيات والنخب الثقافية من مصر وخارجها.

والرواية تحمل بين طياتها الصراع الذى عاشه بطل الرواية بين "الدين " كحقيقة كونية ثابتة وبين  "الفلسفة" كوسيلة عقلية؛ ومن المعروف أن كاتبنا جريء الفكر والقلم الأستاذ شريف الشوباشي هو مفكر تنويري بارز له العديد من المؤلفات والدراسات الفكرية الصادرة باللغة العربية؛ وقد تُرجم بعضها إلى لغات أخرى منها الفرنسية والإيطالية.

ولكنني أعود فأقول: اربطوا الأحزمة بإحكام؛ لأن الإبحار في المسكوت عنه؛ يستلزم الثقافة العقلية الفائقة والواعية؛ للوصول إلى التعريف الصحيح والمُقنع لمسالة: هل الإنسان"مسيَّر أو مخيَّر"؟ أم هو "مسيَّر بوهم الاختيار"؟؛  حتى لا نسقط في هوَّة سحيقة ليس لها قاع؛ لنخرج من هولها صفر اليدين؛ أو ـ على أقل تقدير ـ   بقناعات جديدة لها مبرراتها التي نتخيل انها الحقيقة.. أو جزءٌ منها!؛ أو سيتفتق ذهن  البعض  لمحاولة إيجاد "محاور" جديد يقف بين المحلِّقين معنا ــ وهما رفيقا رحلتنا  بين الشك واليقين: الشيخ والفيلسوف ـ ليحمل وجهة نظر جديدة تضرب هذا.. وذاك!. 

فتأتي التفاسير ــ  بلغة بسيطة وألفاظ غير مقعرة أقرب إلى العامية المتداولة بين جموع المصريين  على لسان  الكاتب/الراوي _البريء كما أطلق عليه كاتبه ردا على أحد أسئلة د. خالد الخميسي ـ لاستبيان وإيضاح الفروق الجوهرية بين الدين والفلسفة؛ فالدين"... يُعطي رجابات قاطعة وفاصلة ونهائية ويقينية لكل شيء.. إجابات جامعة مانعة لايساورها الشك؛ ولا تقبل المجادلة... " ؛ "... أما الفلسفة فتقوم على الشك والبحث والاجتهاد..." ويقول الفيلسوف للشيخ: "... الفرق بيني وبينك في هذا الحوار؛ هو إنك عندك يقين داخلي راسخ لا يتزعزع إنك عارف كل حاجة؛ وعندك إجابة على أي سؤال من منطلق الدين.. أما أنا فأقول لك من أول الكلام: أنا مش عارف كل حاجة ؛ ولا جاي أفرض رأيي عليك؛ ولا على أي حد؛ ومستعد نفسيًا إني أقتنع ببعض الآراء والأفكار التي ستطرحها يا "مولانا"؛ لكن أنت رافض سلفًا لكل إللي حاقولُه.."؛ "... لأنك لا تمثل نفسك كإنسان.. أنت تمثل جيش جرار من المشايخ؛ عاشوا الأربعة عشر قرن الماضية؛ واللي بيفكروا زيَّك طبق الأصل؛ وأنت وريث لهذا التراث المتواتر..!.

تلك الكلمات ـ على لساني ـ مجرد شذرات وانتقاءات مختصرة؛ من محتويات هذا الإصدار الرائع الذي احتفت به مكتبة القاهرة الكبرى؛ والتي سعدت بحضوري مع تلك النخبة الرائعة من المثقفين والكتاب والمهتمين بقضايا المجتمع العقائدية والسياسية؛الذين أثروا المناقشة بجميل رؤاهم.

فتنتهي الأمسية وصوت فريدة الشوباشي الحاني لا يفارق الأذن التي سكنت كلماتها الصادقة قلوب الحضور، والمنطق الذي تناول به العالم الجليل أ.د.أشرف منصور القضايا الفلسفية التي انطوى عليها الكتاب وتحليله العميق الشائق، وبرقة الشعراء أتت إجابات الأديبة ناعوت ومناقشتها لأبرز الأفكار المثارة الشائكة المطروحة في الكتاب واستدلالات عميقة سلسة في الوقت نفسه لتوضيح مساقات المناظرة بين الشيخ والفيلسوف كما تلقفتها بحسها المعرفي الواسع، وباقتدار شديد تمت إدارة المنصة بنظام صارم من د.خالد الخميسي حافظ به على إيقاع المناقشة والمداخلات بعيدا عن تسرب أي إحساس بالملل فحقق انتباها عاليا من الجميع، وكان لمؤلف الكتاب شريف الشوباشي بحضوره الهادئ العذب وقعا جميلا لتقبله الآراء كافة بصدر رحب مفسرا ومعللا في رقي وتؤدة وبشاشة وتهلل وامتنان للحضور لالتفافهم حول كتابه المهم مع وعد بالاستكمال في جزء ثان للحاجة الماسة لمثل هذا الطرح المهم الذي يتميز بتوافر كل عناصر جذب القارئ فلا تستطيع أن تتركه إلا وقد انتهيت من القراءة. 

 ولا شك أن تلك المناظرات ستبقى ـ إلى الأبد ـ بين أصحاب الرأي والرؤى في مسيرة الشعوب المتطلعة إلى الرقي والكمال. 

وبالتأكيد.. ستكون لي عودة مع بقية التفاصيل والمناقشات؛ تلك المناقشات التي تُبحر في عوالم المسكوت عنه دينيًا.. وفلسفيًا لنثب خطوات واثقة إلى الأمام بإعمال المنحة الربانية.. العقل!.