رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المؤسسات الدينية والاكتشافات العلمية


هل الكتب الدينية يمكن أن تكون كتبًا دينية وعلمية فى ذات الوقت؟

هل يمكن أن يتناقض الدين مع العلم؟ بداية فالكتب الدينية هى كتب تتحدث وتتكلم وتوصى بعبادة الله الواحد، وتحدد الأهداف والمقاصد العليا للدين حتى يهتدى بها المؤمن بكل دين من خلال الطقوس والفرائض الدينية الواجبة.
فهى ليست كتبًا من اختصاصها ومن أهدافها التحدث عن العلم أو الاقتصاد أو الكيمياء أو الفيزياء... إلخ من زاوية تخصصية علمية.

وهذه التخصصات العلمية ليست من أهدافها. ولكن الأديان جاءت للإنسان ومن أجل هدايته ومعرفته لطريق الله سبحانه وتعالى.

أما إدخال الدين فى قبول أو رفض نظريات واكتشافات علمية. فهذا ليس دور الدين ولا رجال الدين. ولكنه دور العلماء كل واحد فى تخصصه. فربط النص الدينى بنظرية علمية فهذا تقليل من قيمة وجلال النص الدينى. حيث إن النظريات العلمية قابلة للإضافة والحذف. خاضعة للصواب وللخطأ. فهل عند هذا نقول إن هذا النص الذى اعتمدنا على تفسيره على أرضية الفكر الدينى البشرى غير المقدس والقابل للصواب والخطأ ثبت خطؤه، لأنه تم ربطه بنظرية ثبت خطؤها وعدم صحتها، أو تمت إضافة لها من عالم آخر أو العكس؟ هنا نقول إن الإشكالية ليست فى الدين والنص الدينى على الإطلاق.

ولكن الإشكالية، كل الإشكالية، فى الفكر الدينى الذى هو فكر البشر فى التفسير والتأويل والاجتهاد فى النص. فهذا الفكر الدينى البشرى خاضع لثقافة ووعى وعلم وشخصية وفكر المفسر حسب نشأته الاجتماعية والعلمية والدينية والثقافية. هنا سيطوع هذا الشخص أو تلك المؤسسة الدينية النص لقناعاته وإمكاناته بل لرغباته ولتحقيق مصالحه. خاصة أننا نجد من يتاجرون فى كل دين بمحاولة تطويع النص لأغراض معينة ولتحقيق مصالح ذاتية أو حتى تنظيمية!!!

ولا أدل على ذلك من موقف الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى والتى كانت تتصور أن الأرض مسطحة ليس حسب النص الدينى ولكن حسب قدرة البشر على استيعاب كروية الأرض حين ذاك. وحين تم اكتشاف كروية الأرض تمت محاكمة المكتشف وتكفيره وإخراجه من دائرة الإيمان وكأن رؤيتهم الخاطئة هى الحقيقة المطلقة التى يجب الخضوع لها. مع العلم أن اكتشاف نظرية كروية الأرض وإثبات صحتها على أرض الواقع المعاش حياتيًا وعلميًا.

فقد كان ذلك فتحًا علميًا وفيزيائيًا وفلسفيًا لكل النظريات العلمية والاكتشافات التكنولوجية التى يعيشها العالم الآن حيث إنه قد أصبح لا مكان لما يسمى بالحقيقة المطلقة، فكل شىء نسبى قابل للحوار والرأى والرأى الآخر بل قابل للصواب وللخطأ.

فهل كان الخطأ فى النص الدينى أم فى تفسير النص من خلال بشر محدودى المعرفة العلمية لأنهم كرجال الدين ليس العلم تخصصهم. والغريب فى الأمر أنه لا يزال حتى الآن بعض رجال الدين فى دولة عربية يرفضون نظرية كروية الأرض ويكفر قائلها!!!!

فهل يجوز بعد ذلك أن نقحم النص فى الحديث عن النظريات والمكتشفات العلمية؟ فهل يوجد مثلًا تناقض بين نص التوراة أن المرأة «بالألم تحبلين وبالوجع تلدين». وبين الولادة الآن بالقيصرية التى لا يوجد بها آلام الولادة؟ وهل حرام الآن معرفة نوع المولود ذكر أم أنثى قبل الولادة، حيث هناك نص يمكن أن يفسر خلاف ذلك؟

وهل ندخل النص الدينى الآن مع تلك الاكتشافات العلمية المذهلة مثل اكتشافات المجرات السماوية غير المحدودة على أرضية تسطيح الأرض؟ وهل عمليات الاستنساخ التى تتم والتى لا يوجد لها حدود مستقبلية فى نقل أو تصنيع الخلية الحية يمكن أن نخضعها لنص دينى؟ الأمر يا سادة هو ذلك الفكر الدينى الذى نعطيه قداسة الدين بل نستبدله بالدين الصحيح، والأخطر أن يكون هذا فى ظل تغييب الفكر وتجميد العقل والاكتفاء بالنقل دون العقل.

مع العلم أن الدين والله ذاته هو الذى أراد ويريد كل شىء فى هذا الكون ليس عن طريق المعجزات، ولكن عن طريق القانون الكونى الذى أوجده الله. فمن الذى يكتشف النظريات والاكتشافات العلمية؟ أليس هو عقل الإنسان؟ ومن الذى وهب الإنسان هذا العقل؟ أليس هو الله.

إذن فالمعجزة الحقيقية هى عقل الإنسان الذى ميز به الله الإنسان عن سائر المخلوقات. والأهم أن هذا العقل وما ينتجه هو فى صالح الإنسان الذى أوجده الله وأحبه وأنزل الأديان من أجله. فكفى تصنيع فكر دينى لايتوافق مع الزمان والمكان ولا يستوعب تلك المتغيرات العلمية التى تتلاحق على مدار الساعة. وهذا ليس فى صالح الدين ولا صالح الإنسان ولا فى صالح الأوطان. حمى الله مصر وشعبها العظيم..