رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة الأسعار والممارسات الاحتكارية وحديث الرئيس

لا شك في أن ممارسات الاحتكار في السوق من القضايا الاقتصادية الرئيسية التي تشغل الدول أيا كان قوة اقتصادها، فالاحتكار يقف عائقا أمام حماية المستهلكين وتعزيز الشفافية والمنافسة العادلة بين الشركات والتجار. وفي مصر تعاني السوق من مشاكل كبيرة مرتبطة بالاحتكار، مما يستدعي تدخل الدولة للتصدي لهذه الممارسات وتحقيق التوازن في السوق، كما تحدث السيد رئيس الجمهورية في احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية التي تم عقدها منذ عدة أيام.

وتعاني مصر من مشكلة الاحتكار في السوق منذ عقود طويلة نتيجة لسياسة النظام السابق التي دعمت احتكار السلع والخدمات، حيث يقوم بعض التجار والشركات برفع أسعار السلع والخدمات بشكل غير مبرر، مما يؤدي إلى زيادة الأعباء على المواطنين وتقليل القدرة الشرائية لديهم. وباختصار يعتبر الاحتكار في السوق المصرية من المشاكل الاقتصادية التي تعيق التنمية وتؤثر سلبًا على حياة الناس.


وفي ضوء ذلك، يُعَدُّ تدخل الدولة في السوق للحد من الاحتكار ضرورة حتمية لضمان توفير السلع والخدمات بأسعار معقولة ومناسبة للجميع عن طريق ضخ السلع في السوق بواسطة الدولة نفسها، حيث يمكن للحكومة استخدام سلطتها لتوفير السلع الأساسية بأسعار مخفضة ومنافسة للأسعار الاحتكارية.

وللبدء في تطبيق هذا المفهوم، ينبغي للدولة أن تشكل جهازًا اقتصاديًا متخصصًا يوفر السلع ذات الأهمية الاستراتيجية وسلسلة الإمداد الأساسية. وقد يتضمن ذلك إنشاء وحدات إنتاج خاصة بالدولة لتوفير السلع الأساسية والخدمات بأسعار منخفضة وجودة عالية، وتحديد الأسعار بناءً على التكاليف الإنتاجية الفعلية دون تضخيم من قبل الشركات والتجار.

ويُفترض أن يعمل جهاز الإنتاج الحكومي كمنافس رئيسي للشركات الخاصة والتجار، مما يضمن وصول السلع إلى المستهلك عن طريق قنوات توزيع موثوقة وفاعلة تتجاوز العبء المفروض من الشركات والتجار المحتكرين للسلع والخدمات وتسهم في توفير السلع والخدمات بأسعار معقولة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدولة تطبيق مبدأ اختصار سلاسل الإمداد بين المنتج والمستهلك، حيث يتم تقليل عدد الوسطاء والمتداولين في السوق، مما يسهم في تقليل الفجوة بين الأسعار التي يدفعها المستهلك والتكاليف التي يتحملها المنتج.

ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون دور الدولة هو الاحتكار الكامل للسوق، بل يجب أن يكون توازنًا ناجحًا بين عمليات الإنتاج والتوزيع التي تقدمها الدولة والمشروعات الخاصة، وينبغي للدولة أن تصيغ تشريعات لضمان العدالة والشفافية في السوق.

وفي هذا السياق، يجب على الحكومة العمل على وضع سياسات اقتصادية واضحة تهدف إلى تشجيع المنافسة الصحيحة في السوق وتنظيم القطاع الخاص بشكل فعال وتنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وربطها بالسوق، لضمان عدم تكرار حالات الاحتكار مستقبلًا. كما يجب وضع آليات رقابية وقانونية تسمح بمعاقبة المنتهكين لقوانين الإنتاج والتوزيع في السوق.

وتوجد بعض التجارب الدولية التي قد توحي بفعالية هذه الاستراتيجية. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، تدخلت الحكومة في أواخر القرن التاسع عشر بعد استغلال أتباع روكفلر للنفط لسوق النفط، وتم بعدها تشكيل شركة نفطية حكومية تنافس الشركات الخاصة وتُعد منافسًا قويًا في السوق.

علاوة على ذلك، في الهند، تدخلت الحكومة أيضًا للحفاظ على الشفافية في توزيع السلع الأساسية وتحقيق توازن الأسعار. قامت الحكومة بتشكيل مؤسسات حكومية لإدارة توزيع السلع الأساسية مثل الأغذية والوقود والغاز الطبيعي، وضمان توفيرها بأسعار معقولة في سوق البيع بالتجزئة.

بناءً على هذه التجارب، يظهر أن تدخل الدولة في السوق المصرية لمحاربة الاحتكار له القدرة على تعزيز المنافسة وضمان توفير السلع بأسعار عادلة وجودة عالية. وينبغي أن تتخذ الدولة التدابير الضرورية لتشكيل جهاز اقتصادي فعال يوفر السلع الأساسية ويشجع في الوقت نفسه على الاستثمار الخاص في قطاعات أخرى، مما يخلق بيئة تنافسية صحية تعود بالفائدة على المستهلكين والمجتمع بشكل عام.