رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وظيفة المؤتمرات


بعيدا عن هشاشة الأمن فى بلادنا، وعجز حكام الأمة –كلا أو جزءا- وحتى فى ضوء عجز مؤتمر القمة الإسلامية فى الأسبوع الماضى فى مكة المكرمة عن حل مشكلة سوريا، التى دخلت بعد المؤتمر، فى مرحلة جديدة من الصراع المدمر، الذى لن يستفيد منه إلا أمريكا وإسرائيل للأسف الشديد، لأنهما الأقدر حاليا على ملء الفراغ الذى يتسع يوما بعد يوم فى سوريا، أدعو الله تعالى أن تنتصر الثورة فى سوريا، وأن تقضى على النظام البعثى الطائفى الإجرامى فيها، بل إننى أدعو كذلك أن تقوم الثورات الشعبية، حيثما كان هناك ديكتاتورية وفساد وظلم وتخلف، حتى تقوم أنظمة نموذج تحمل قيم الإسلام العظيمة، ونكون حقا خير أمة أخرجت للناس.

ما حدث فى يومى الخميس والجمعة الماضيين من خطف وقتل لبنانيين فى سوريا، وظهور بعض الملثمين فى لبنان مرة أخرى، نتيجة ما يحدث فى سوريا، قد ينتشر قريبا على الحدود المجاورة، وكذلك ما يحدث فى سيناء المصرية، يشير إلى أن الصراع سيظل قائما ومدمرا ومطاطاً على جبهات متعددة.

الخاسرون مهما كانت نتيجة الصراع فى سوريا هم النظام السورى، وإن استفاد بعض الوقت مما يحدث حاليا فى لبنان، وتشمل قائمة الخاسرين حزب الله وإيران والمعارضة السورية وحماس بل وفلسطين جميعاً وطبعا لبنان والأردن والعراق، وحتى تركيا ولو بشكل غير مباشر. المستفيد الوحيد من كل هذا الصراع هما أمريكا وإسرائيل فقط، ودرس أفغانستان ليس عنا ببعيد، فهل هناك من يعتبر؟ هذا عن الصراع فى سوريا كمقدمة، فماذا عن المؤتمرات ووظيفتها؟

من المؤتمرات ما يعقد لتغيير العالم أو منطقة من مناطقه، ومن هذه المؤتمرات، المؤتمر الصهيونى الأول الذى عقد فى بازل بسويسرا سنة 1897م، وكذلك مؤتمر سايكس بيكو 1916، هذا على سبيل المثال لا الحصر. فالمؤتمر الصهيونى الأول قرر إنشاء وطن قومى لليهود، وبعد خمسين سنة تحقق هذا الحلم أو هذا القرار، وبمساعدة عربية أحيانا، ونشأ الوطن المسلوخ على جزء من الوطن السليب، اتسع الوطن المسلوخ يوما بعد يوم، وذلك أمر لا يخفى، كيف يتسنى ذلك؟ جاء ذلك برعاية أمريكية وسوفياتية أيام الاتحاد السوفياتى قبل أن يتفتت نتيجة غزو أفغانستان، إن إنشاء وطن مسلوخ على أرض وطن سليب، يقتل ويشرد الملايين من أهل فلسطين، ويسعى إلى تقطيع أوصال الوطن السليب، فى شكل كانتونات، يذكرنا بما فعلته العنصرية والأقلية البيضاء فى جنوب أفريقيا بل وأسوأ من ذلك، وما هو إلا جريمة بشعة وظلم فظيع شارك فيه بعض حكام الأمة والعملاء فيها.

هذا عن المؤتمر الصهيونى الأول 1897م، أما مؤتمر سايكس بيكو 1916م فكان لتقطيع أو تأكيد تقطيع أوصال دولة الخلافة العثمانية، وقد نجح فى مهمته التغييرية، حتى كادت الحدود الجغرافية بين دول العالم العربى أن تصبح حدودا شرعية لا يحق تجاوزها.

هذا نموذج واضح للمؤتمرات التى تغير العالم أو تغير منطقة من مناطقه، وهناك مؤتمرات تكاد للأسف الشديد، أن تتكرر أو تستنسخ نفسها بنمطية قاتلة، بل وتكاد أن تكون فيلما من أفلام الخديعة للوطن والمبادئ والقيم الإسلامية بل وحتى المروءة العربية قبل الإسلام. ومن النماذج التى نستعرضها هنا والدالة على ما نزعم، دون أن يغضب ذلك أحداً، هى مؤتمرات جامعة الدول العربية التى أنشئت 1945م بعد الحرب العالمية الثانية ووكالاتها المتخصصة.

قرارات وتوصيات مؤتمرات جامعة الدول العربية زينت الصحف والمجلات والجدران، وتغنى لها وبها الإعلام العربى خصوصا، والنموذج الآخر يتمثل فى مؤتمرات القمة الإسلامية تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامى. الفلسفة والنظرية وراء الإنشاء جميلة جدا فى المنظمتين ولكن الواقع يؤكد اختلاف الواقع عن الفلسفة والنظرية.

وهنا وبكل ألم أستعرض، بعض مواد وجوانب معاهدة الدفاع العربى المشترك، التى استغرقت جهدا كبيرا وأموالا طائلة لكى تلتئم وتكتمل الأمة وتتكامل فى ضوء مؤتمرات جامعة الدول العربية، ولكنها للأسف الشديد لم تكتمل عمليا، بل أصبحت فى معظمها من منسيات التاريخ، حتى ذكرها الرئيس مرسى فى خطاباته بعد النجاح فى انتخابات الإعادة للرئاسة. إن مؤتمرات القمة العربية والإسلامية بالنسبة لقراءتى، هى بمثابة احتفالات إحياء ذكرى الأموات، تحتاج إلى سيدنا عيسى عليه السلام، وبإذن من الله تعالى، كى تحيا.

فالمادة الثالثة من معاهدة الدفاع العربى المشترك، تنص على تشاور الدول العربية الموقعة على المعاهدة، إذا تعرضت إحداها للتهديد، وهى المادة نفسها التى تدعو ذات الدول إلى توحيد الخطط والمساعى لاتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التى يقتضيها الموقف.

والمادة الرابعة تنص على التعاون لدعم المقومات العسكرية وتعزيزها، وتهيئة الوسائل الدفاعية لمقاومة أى اعتداء مسلح، كما تدعو المادة السادسة إلى إنشاء مجلس للدفاع المشترك من وزراء الخارجية والدفاع الوطنى. وقرارات المجلس ملزمة بأكثرية الثلثين.

أما المادة السابعة، فتنص على التعاون للنهوض بالاقتصاديات، واستثمار المرافق الطبيعية، وتسهيل تبادل المنتجات الوطنية والزراعية والصناعية، ويتحقق ذلك بإنشاء مجلس اقتصادى من وزراء الاقتصاد فى الدول المتعاقدة حسب المادة الثامنة من المعاهدة، أما المادة العاشرة، فتنص على أن تتعهد كل الدول المتعاقدة بألا تعقد أى اتفاق دولى يناقض هذه المعاهدة.

هذه بعض فقرات أو مواد مهمة جداً، فى معاهدة الدفاع العربى المشترك، كلام نظرى جميل جداً وحلم لم يتحقق أبداً إلا قليلاً، فالدول العربية- كل بلا استثناء- مهددة استراتيجياً فى أمنها واقتصادها، والذى يهددها معروف لها، وبدلاً من اتخاذ التدابير التى نصت عليها المعاهدة لحماية أمنها بشكل عام، فإنها فى الغالب ما ترتمى فى أحضان من يهدد أمنها، فتهديه أرض الأمة ليزرع فيها القواعد العسكرية، وتعيث فيها للأسف الشديد القوات الأمريكية والناتو فساداً.

لقد وقّعت تلك الدول العربية على معاهدة الدفاع العربى المشترك، وتعهدت فى المادة العاشرة منها، ألا تعقد أى اتفاق دولى يناقض هذه المعاهدة، والذى ينظر إلى الواقع اليوم يجد أن معظم هذه الدول - إن لم تكن كلها - قد نقضت هذه المعاهدة وغيرها من المعاهدات والاتفاقيات العربية والإسلامية، وذلك بمعاهدات واتفاقيات وبروتوكولات أخرى مع بعضها أو مع غيرها، حتى مع أعداء الأمة أصدقاء الحكام الفاسدين، فكيف يثق المواطنون فى حكامهم ومؤتمراتهم وتعهداتهم، ولكن أياً منها لا يستطيع أن ينقض معاهدة دولية أو عالمية واحدة مهما كانت ظالمة وفلسطين خير دليل على ذلك، ويجرى تبرير ذلك بأن الإسلام يحض على الوفاء بالعهود وهى كلمة حق يراد بها باطل.

فى سنة 1979، حضرت مؤتمراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى فى مدينة داكار عاصمة السنغال، وقد هالنى حجم التناقض والكراهية التى تظلل تلك المؤتمرات. كان الجو فى تلك الفترة ملبداً وعاصفاً بين مصر فى عهد السادات، وليبيا تحت القذافى. كانت الصواريخ الكلامية والاتهامات فى جلسات المؤتمر تنطلق شرقاً وغرباً من المسئولين، وكنا نستمع أحياناً إلى كلام جميل فى الجلسات العامة، يتحول إلى رصاص فى الجلسات المغلقة. أما ليلاً فكان بعض المسئولين الذين يمثلون بلادهم فى مؤتمر قمة إسلامى، كانوا، يستكملون حواراتهم فى الديسكو فى الفندق الجميل الذى عقد فيه المؤتمر على أنغام الموسيقى، وما يلزم ذلك من شراب مختلف الألوان والأحجام.

هذا النفاق الواضح ونقض المعاهدات، وبعثرة الأموال وثرواتها، وسوء اختيار من يمثل الأمة سياسياً ودبلوماسياً فى الغالب الأعم، فضلاً عن الديكتاتوريات والفساد والظلم والتخلف، هو الذى يسهم فى الغالب الأعم فى تدهور هيبة الأمة وهويتها، كما كان سبباً - فى بعض الأحيان- وراء نشأة بعض التطرف والتشدد حتى الفقهى منه، ووراء العنف وما تسميه أحياناً أمريكا بالإرهاب، بل وتدعو دولنا جميعاً إلى التعاون معها فى محاربة الإرهاب الذى ترعاه وتدعمه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باستخدام أطراف آخرين، مما يزيد الطين بلة. وهكذا تدفع أوطاننا ثمن الفساد والديكتاتورية والتخلف والظلم والنفاق الداخلى والتربص الخارجى. قد يحتاج الأمر إلى مزيد من التفاصيل. ونسأل الله تعالى العافية.

والله الموفق