رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد منتصر: فرج فودة كان ينفخ فى «قربة مقطوعة».. وسار نحو مصير محتوم «2»

خالد منتصر
خالد منتصر

قال الدكتور خالد منتصر، الكاتب والمفكر، إن ٣٠ يونيو لم تكن ثورة على أوضاع اقتصادية، وإنما كانت ثورة للحفاظ على الهوية المصرية، و«هذا سر عبقريتها».

وأضاف «منتصر»، خلال الجزء الثانى من حواره لبرنامج «الشاهد» مع الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، أن فكره تشكل من خلال المرور بثلاث محطات مهمة فى حياته، الأولى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة وعلاقته بالناقد الأدبى الراحل الدكتور سيد البحراوى، والثانية لقاؤه المفكر الراحل زكى نجيب محمود، والمحطة الثالثة كانت مع الدكتور فرج فودة.

وحكى الكاتب الكبير عن رحلة المفكر الراحل الدكتور فرج فودة، وكيف استطاع بسخريته المهذبة أن ينتصر على المتطرفين وأن يوجعهم دون إهانة، وتعامل بسعة صدر مع كل من شتمه، وأبرزهم القيادى الإخوانى صلاح أبوإسماعيل، مبينًا أن الفنان محمود مرسى توقع اغتيال «فودة» بعد مناظرته المهمة فى معرض الكتاب عام ١٩٩٢، التى أفحم فيها محمد عمارة والهضيبى.

وأكد أنه لا يرفض الدين نفسه، ولكن يرفض الاستخدامات النفعية للدين والتجارة به واستغلاله فى تدمير الوطن.

■ كيف رأيت استخدام الجماعات الإسلامية رموزًا مثل الحجاب للتفرقة بين المسلمين والمسيحيين.. وماذا فعل ذلك فى تفكيرك ومسارك؟

- عندما يصبح الفرد على وشك الغرق يبحث عن طوق نجاة، ولم أكن أخطط لهذا الطوق، لكن الموضوع جاء صدفة، وهو فى الحقيقة ٣ محطات.

المحطة الأولى فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، والثانية لقائى بالراحل زكى نجيب محمود فى حوار لمجلة، والمحطة الثالثة كانت لقاء مع مجموعة من الزملاء بالدكتور الراحل فرج فودة.

فى تلك الفترة، كان هناك بعض رموز اليسار فى قسم اللغة العربية، وكنت أهرب من كليتى وأذهب إليهم كمستمع.

وتعرفت على الدكتور سيد البحراوى، وكان من أقطاب اليسار، وكان متزوجًا من أستاذة اللغة الفرنسية فى كلية الآداب، وكانا يمثلان اليسار بشكل جامح، هو كان يدرس عروض الشعر، وقلت له: «نفسى أتعرف على الناس الموجودة»، خصوصًا أننى كلما ذهبت إليه أسمع كلامًا يستفز غدة التفكير بشكل كبير جدًا.

وكان من بين الموجودين الدكتور جابر عصفور، والدكتور نصر أبوزيد، والدكتور عبدالمحسن طه بدر، وأحمد مرسى وغيرهم، وموقفهم كان عمليًا وصارمًا وليس كلامًا فقط، فقد كانوا شجعانًا جدًا فى مواجهة العديد من المواقف، ولم يخافوا من السلطة، بل دفعوا ثمن مواقف وقتها.

■ كيف كانت محطتك الثانية التى التقيت فيها الدكتور الراحل زكى نجيب محمود؟

- المحطة الثانية، كما قلت، كانت لقائى مع الدكتور زكى نجيب محمود، ولم أكن أتخيل أن يرد على اتصالى الهاتفى من الأساس.. اتصلت به، فردت علىّ زوجته، وكنت وقتها طالبًا فى كلية الطب، وأبلغتها برغبتى فى إجراء حوار مع الدكتور زكى نجيب محمود.

وجدت الدكتور زكى نجيب محمود يكلمنى بالفعل، وتحدثنا وشرحت ما أريد، فقال لى: «تعالوا»، وذهبت إليه مع زملاء، وكانت رحلة بها بعض القيود الأمنية، لأن بيته كان بجوار السفارة الإسرائيلية بالقرب من كوبرى الجامعة قبل نقلها.

الدخول إلى هذا المكان والذهاب إلى الدكتور زكى نجيب محمود أمر رائع، كانت رحلة تستحق المشقة والعناء، جلسنا ٥ ساعات، لم أتحدث أنا وزملائى خلالها سوى ببعض الأسئلة المتناثرة، وقد كانت لديه قدرة كبيرة على تبسيط الفلسفة، وكنت سعيدًا جدًا بهذا الحديث الفلسفى، زملائى أيضًا سعدوا باللقاء، ومن بينهم مختلفون معه فكريًا.

عرفنا بعد ذلك معنى الوضعية المنطقية وصرامة اللغة، وكانت فرحتى غامرة لأنه ينتمى إلى محافظة دمياط التى أنتمى إليها أيضًا.

بعد ذلك، بدأت أقرأ للدكتور زكى نجيب محمود بعمق، وأبحث عن كتبه.. وأنتهز الفرصة الآن لكى أتساءل: «أين كتب الدكتور زكى نجيب محمود؟»، للأسف ليست موجودة.. أؤكد أن كتبه يمكن أن تنقذ أجيالًا، وقلت أكثر من مرة إن هذه المؤلفات يمكن أن تحدث ثورة فى تفكيرنا.

جاءت الصدمة بعد ذلك فى معركة «جناح الذبابة»، مع أصحاب التيارات الإسلامية فى مواجهة زكى نجيب محمود وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس، وتوقعت أن هناك تيارًا سيمسك بمفاصل مصر ويدخل إلى نخاعها الشوكى بشكل كبير.

وقتها تراجع ٣ من الأيقونات التى أحبها، زكى نجيب محمود ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم، والشارع بدأ يهدد لدرجة أن يوسف إدريس كان يجلس لحماية ابنته نسمة من التهديدات التى تصلهم من الجماعات الإرهابية بالحرق لمجرد الخلاف فى الرأى.

من يقرأ مقالة الدكتور زكى نجيب محمود المتعلقة بمعركة «جناح الذبابة» يجدها مهذبة جدًا، لكن الشيخ الشعراوى هاجمها، وتراجع زكى نجيب محمود ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم أمام سطوة الشعراوى، وكتب رسالة اعتذار فى الأهرام.

كنت شابًا ولا أدرك ما يحدث حولى بالتفصيل، لكن أدركته عندما تعرضت للأمر نفسه من تهديدات وإساءات.

وأهم قامتين فى وقت من الأوقات فى مصر، كانتا الشيخ الشعراوى والدكتور مصطفى محمود، ببرنامج «العلم والإيمان».

■ كيف تغيرت علاقتك بما يقدم مصطفى محمود؟

- كنت أقرأ لمصطفى محمود بعشق، ولو كان أكمل فى القصة القصيرة كان يمكن أن يكون فى قامة يوسف إدريس.

مصطفى محمود كان يقدم مادة جميلة جدًا، لكن ما الداعى لخلق صراع وهمى فى النهاية بين العلم والدين، أرى أن هذا الصراع كان مفتعلًا.

هذا الصراع يمكن أن يبعدك عن الإيمان ولا يقربك منه، لأنه على سبيل المثال قال: «لا يمكن لشىء أن يتغلب على عقل الإنسان»، وعندما جاء الكمبيوتر تغلب على بطل الشطرنج.. هنا عندما تعطى للشاب الذى بنيت له القاعدة على هذا التعارض والصراع غير الموجود فى الأساس، تلك الجزئية، سيصدم وسيبعد عن الدين.

لا يوجد عالم بيولوجى أو جمعية بيولوجية تتعامل مع نظرية التطور بمثل هذا الطرح الذى تعامل به علماء الدين، كل عضو فى الجسم دينيًا سليم بالضرورة لأنه لا يوجد شىء خاطئ فى خلق الله، و«مافيش حاجة كده محطوطة زايدة عن الحاجة»، لكن إن تساءلنا: «هل ضرس العقل مخلوق ليمثل رزقًا لأطباء الأسنان؟.. لا، وهل الزائدة الدودية موجودة كى يكسب منها الجراح، أم هى تطورات حدثت فى الفك داخل الفم على مدى ملايين السنين؟ تطور بسبب تناول الأعشاب طوال الوقت لتتكون الزائدة الدودية».

عدم التفاعل مع نظرية التطور يمكن أن تصل إلى مرحلة الإلحاد، وليس الإيمان، ومصطفى محمود كان يظهر فى البرنامج ويهاجم نظرية التطور وغيرها، والتحول فى موقفى فيما يتعلق بمصطفى محمود كان بسبب هذه المسألة، لأننى فى البداية عندما قرأت كتاب الإعجاز العلمى لمصطفى محمود، كنت مبهورًا لأننى كنت مراهقًا فى تلك الفترة ولم يكن هناك أحد يقرأ.

وكان الكتاب صدر فى لبنان، وكنت أمسك بالكتاب وأنزل إلى الشارع، وكنت أفتعل أى كلام مع الناس حتى أقول أى كلام من كتاب لمصطفى محمود وعن الاكتشافات الخاصة بنا.. كنت مبهورًا.

■ صف لنا كيف ترصد محطة الدكتور فرج فودة ومعاركه الفكرية؟

- فرج فودة كان يمثل لى بطل دراما إغريقية؛ كان يسير نحو مصير محتوم.. سيحدث دون شك، كان مختلفًا عن الأكاديميين الذين قابلتهم، وقد تعرفت عليه بالصدفة من خلال والد زميل صحفى، قال له «إن هناك أصدقاء لابنى يريدون مقابلتك»، ومن هنا بدأت العلاقة.

كنا نذهب له كل أسبوع أو ١٠ أيام للمناقشة فى مكتبه فى شارع «أسماء فهمى» بجوار كلية البنات، وهو نفس المكان الذى مات فيه بعملية اغتيال.

لم أستطع زيارة المكان حتى الآن منذ هذه الحادثة.. وبطل الدراما الإغريقية الذى أقصده، مثل سيزيف، الذى كان يصعد بالصخرة الجبل ويهبط مرة أخرى.. كنت أشعر بأنه «ينفخ فى قربة مقطوعة»، بلغة الشباب، وكان يتميز عن الجميع بلغة الشارع البسيطة.. ترى أمامك مفكرًا بسيطًا وخفيف الدم جدًا وساخرًا بشكل أدبى رائع، وهذا ما جعله طوال الوقت مبدعًا بالنسبة لنا، لأن سلاح السخرية يختلف عن سلاح الشتيمة الذى يستخدمه بعض المفكرين؛ فالسخرية فن أصعب من الميلودراما لأنه يعتمد على العقل.

التيار الدينى كان لا يمتلك الحس الكوميدى أو الحس الساخر، وهذا تجده فى معظم المنتمين لتيار الإخوان.. هناك ثقل ظل شوية بصراحة.

المسألة أن السخرية تحتاج إلى العقل والمنطق وسرعة البديهة، ومن معايير قياسات الذكاء الآن روح السخرية، فهذا الحديث الساخر لفرج فودة، ولغته البسيطة، جعلته مؤثرًا وموجعًا جدًا لمنافسيه.

بداية المعرفة بفرج فودة، غير المعرفة الإنسانية، كانت مع خروجه من حزب الوفد، الذى تحالف مع الإخوان فى هذا الوقت، ثم صدور كتاب يناقش فيه تطبيق الشريعة فى السودان، وكان جعفر النميرى تولى المسئولية فى السودان لتطبيق الشريعة، وأحرز نجاحًا فى الشارع، وكان سيبدأ بقطع الأيدى وتطبيق حد الزنا ومنع الخمور.

كتب فرج فودة فى هذا الكتاب عن تأييد الشيخ صلاح أبوإسماعيل لجعفر النميرى وغيره، وكانت هناك اقتباسات تهز الشارع، وما أثار الموضوع هو لغة الحوار التى جاءت ردًا على الكلام الموثق لفرج فودة.

رد الشيخ صلاح أبوإسماعيل، وكان يكتب فى هذا الوقت فى «الأحرار»، بتجاوزات لفظية، وسأل مثلًا «فودة»: «هل ممكن تتبرع بزوجتك؟»، دخل فى الأعراض، وانحدر مستوى الحوار.

كنت أعتقد أن الحوار سينتهى عند التراشق بالألفاظ، وقد كان فرج فودة واسع الصدر جدًا، ولم يرد الإهانة بمثلها، وكانت له مقالات ساخرة تكتب فى تاريخ الأدب الساخر، مثل مقالة عن لاعب كرة السلة الذى ارتدى «شورت الإسلام»، وكانت من المقالات المؤثرة هذا الوقت.

وتساءل «فودة»: «ماذا سيفعل فخذ اللاعب؟ هل سيثير الجمهور فى المدرجات؟»، وتطور الأمر من التراشق اللفظى إلى القتل.

هنا بدأت المسألة تتضح لى وللآخرين، بأن البداية تكون عنفًا لفظيًا وتنتهى بالقتل، ولذلك لا بد من أن ندرك أن القتل المعنوى مثل الشائعات التى يطلقها الإخوان، يسبق القتل الفعلى أو الاغتيال.

والمناظرة التى قتل بعدها فرج فودة، كانت فى معرض الكتاب فى عام ١٩٩٢، وضمت الهضيبى ومحمد عمارة، وأرجو أن يستمع الجميع لهذه المناظرة التى أخرجتها هيئة الكتاب منذ فترة قليلة.

وبعد مناظرة معرض الكتاب بـ٦ أشهر، تعرض فرج فودة للاغتيال، ولم يتلفظ فرج فودة بتجاوز واحد ضد الدين الإسلامى، ولم يتلفظ فى أى من كتاباته بلفظ ضد الدين، فهو لا يرفض الدين، بل يرفض استخدامه، وهذا ما تعلمته من فرج فودة، هو أننى لا أرفض الدين، ولكن أرفض الاستخدامات النفعية للدين والتجارة به، لأن ذلك يدمر الوطن، وهذا ما جعل الشعب يتحرك فى ٣٠ يونيو بثورة مختلفة، لأنها لم تكن ثورة على أوضاع اقتصادية، وإنما كانت ثورة للحفاظ على الهوية المصرية، والكثير كان يعتبرها ثورة ثقافية فى المقام الأول.

سر عبقرية ٣٠ يونيو، هو الحفاظ على الهوية، ولو قلنا بلغة الطب: «لما الجين الخاص بيتغير تفقد ذاتك.. وعندما تصاب بألزهايمر تفقد ذاتك»، وفى المناظرة فى هيئة الكتاب، كنت أجلس بجوار الفنان محمود مرسى، كنا جميعًا نريد الجلوس بجواره.

ومحمود مرسى- بحسه الفنى- كان يراقب الجميع من الحاضرين، الذين كانوا مستفزين جدًا من الردود القاسية لفرج فودة، التى لم يكن بها أى أخطاء، وبعد الندوة كنا متجمعين حول محمود مرسى، وقال لنا إن «فرج فودة سيقتل»، أى أنه تنبأ بقتل فرج فودة بعد مناظرة معرض الكتاب، ورأينا مناظرات وندوات فى نقابة الأطباء وفى الإسكندرية، كان يحضرها فرج فودة، ولم يحدث بها أى أخطاء.

ولكن فى هذه المناظرة، كان فرج فودة مستعدًا وهادئ الأعصاب جدًا، وعادة هناك صعوبة فى الرد على القادم من خلفية يسارية مثل محمد عمارة، لكنه رد على «عمارة» وأفحمه، وكان ذلك صدمة للحاضرين، وحدث بعدها ما حدث، وتم اغتيال فرج فودة.

والمشكلة كانت بالوجع الذى فى داخلى، حينما أرى صديقًا أكبر سنًا، وكان أخًا بالنسبة لنا، يموت هكذا.. نسترجع الأحداث ونتساءل: «هل كان فرج فودة له ضهر أم لا؟»، ورأيت إلى أى مدى من الممكن أن يتم بيع المثقف المصرى فى أى لحظة.

■ كيف كشفت حقيقة تزييف لوحة «الغابة الألمانية» المكتوب عليها جملة «لا إله إلا الله»؟ 

- فى نهاية مرحلتى الجامعية بكلية الطب، كنت أذهب مع زملائى من الطلبة إلى محل عصير القصب فى المنيل، وفوجئت حينها بمشاهدة لوحة مكتوب عليها جملة «لا إله إلا الله» على شكل أشجار، ومرفق بجانبها جملة شارحة للصورة: «هذه غابة منعت السلطات الألمانية الناس من الذهاب إليها»، ولكننى حين رأيتها تشككت للغاية من حقيقتها، فهى مرسومة بشكل واضح، ورأيت ذلك بعقلى الذى يفلتر الأشياء الغريبة التى أراها.

سألت صاحب محل العصير عن حقيقة رسم هذه اللوحة، وفوجئت برد فعله الغاضب، وكان ذلك آخر كوب عصير قصب أشربه بالمحل؛ لأنه طردنا جميعًا من المحل، واكتشفت بعد ذلك أن هذه اللوحة منتشرة بشكل مريب ويعلقها الملايين، سواء فى القطارات أو دار النشر التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، التى ساعدت بشكل كبير فى توزيع تلك اللوحة فى جميع أنحاء مصر.

كنت أظن فى البداية أنها ظاهرة عادية وستختفى بمجرد انتهاء وقتها، ولكن تبينت أنها كانت أرضية لنشر الفكر الخرافى للجماعات الإسلامية، واكتشفت بعد ذلك، خاصة حين بدأت فى التواصل مع مجلة «روزاليوسف»، أن هناك أستاذًا بكلية طب أو صيدلة المنصورة، اسمه «الخضيرى»، أرسل للمجلة وكشف عن أنه من رسم تلك اللوحة، وهناك شهود على ذلك، وبعد تدقيقنا فى الصورة ظهر لنا توقيعه فى الحشيش الذى كان موجودًا بين الأشجار باللوحة.

هذا الأستاذ الجامعى كان غاويًا رسم اللوحات الفنية، ويكتب عليها: «الله أكبر ولا إله إلا الله» بطريقة فنية، واكتشفنا أن الجماعات الإرهابية اعتمدت على تزييف حقيقة تلك اللوحة ونشرها على أنها معجزة من عند الله سبحانه وتعالى.

كما تعرض الأستاذ الجامعى بعدها لتهديد واضح من قبل الجماعة الإسلامية، وكانت تلك التهديدات منتشرة بشكل كبير لعدد من الشخصيات، مثل فرج فودة ونجيب محفوظ وغيرهما. فجأة تلقينا خبرًا صادمًا، حين تعرضت شقة الأستاذ الجامعى للحرق فى المنصورة، وبعد عدة شهور مات «الخضيرى» قهرًا، وتوفى وهو ما زال يصارع لإثبات أن اللوحة المنتشرة هو الذى رسمها، وليست معجزة ربانية.

■ ما الرسالة التى تريد توجيهها إلى تنظيم «الأطباء الدراويش»؟

- هناك مشكلة كبيرة اسمها «التفكير بالتمنى»، بمعنى أن تتمنى شيئًا ما ثم يسيطر عليك بشكل كامل ويسكنك تمامًا حتى تصدقه بشكل كلى، ولكن العلم يخالف كل ذلك، وهو ما يكرهه الناس؛ لأن العلم يعتمد على الحقيقة العلمية المنضبطة والصارمة، فالعلم نسبى للغاية وهذا هو سر نفور الناس منه.

أريد توجيه رسالة إلى «الأطباء الدراويش» بأن من جعلهم أطباء هو المرجع العلمى، ولا أستطيع تقبل أن طبيب نساء وتوليد يتعاون مع داعية إسلامى كبير فى القضية، التى رفعها ضد وزير الصحة على عبدالفتاح، بشأن الموافقة على ختان الإناث، وأقول له: «لا ترمى المراجع العلمية فى الزبالة، لأن هذا المرجع هو الذى جعلك طبيبًا ومتسقًا مع نفسك، والعلم هو طوق النجاة الوحيد والأخير».

■ هل استحق فرج فودة القتل على يد الجماعة الإرهابية؟

- للأسف الشديد، الفيديوهات الوحيدة الخاصة بالكاتب والمفكر فرج فودة موجودة فى تليفزيون تونس فقط، كما أنها مترهلة والصوت سيئ للغاية، فالتليفزيون المصرى لم يلتفت لأهميته إطلاقًا، ولم يستضفه فى أى لقاء أو مناظرة لشرح نفسه أمام الجمهور.

سألت نفسى سؤالًا واحدًا بعد مقتل فرج فودة: «هل كانت قضيته تستحق كل ذلك؟»، وإجابتى بعد كل تلك السنوات هى أنها تستحق، حتى لو أنا الضحية، ولا أدعى أننى جيفارا، ولكن بقدر ما رأيت جمال هذا البلد، قدرت تمامًا «النوستالجيا» الخاصة بالدولة المصرية، وكنت أريدها أن تتخلص من التيار الإسلامى الذى توغل فيها، وتسبب فى مقتل فرج فودة.