رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كفى» كتاب يشرح كيف تُحوِّل الليبرالية الجديدة البشر إلى آلات استهلاكية

كتاب «هل أنا حرة؟»
كتاب «هل أنا حرة؟»

«لقد أصبح القياس والتقييم والمقارنة جزءًا طبيعيًا من الحياة الحديثة، فنرى أنفسنا ننخرط يوميًا فى تلك المنافسات، وندخل فى سباق قد لا نتذكر أننا شاركنا فيه، ولكن ها نحن نقف على خط البداية يومًا بعد يوم، وحتى لو حاولنا جاهدين، فلن نصل أبدًا إلى خط النهاية، وفى نهاية اليوم، إنما سنكون فائزين أو خاسرين، وسنصنف ونوضع فى قوالب بناء على نجاحاتنا وإخفاقاتنا، ومن ثم نادرًا ما سنرى أنفسنا جيدين بما فيه الكفاية»، هذه الكلمات التى نقلتها لين ستالسبيرج عن عالم الاجتماع ديفيد بير، هى لُب إشكالية آثار الليبرالية الحديثة فيما يخص البعد النفسى، ففى ظل عالم تحكمه قواعد الاستهلاك لم يعد من الممكن التوقف عن هذا السباق اللاهث بسهولة. 

إشكالية العيش فى المجتمعات الراهنة التى يمكن وصفها بأنها مرحلة الليبرالية الجديدة أو الرأسمالية المتأخرة أو الحداثة السائلة، وفق تعبير زيجمونت باومان، هى ما تسعى عالمة الاجتماع النرويجية لين ستالسبيرج إلى وضع يدها عليه، ذلك بالنظر من جانب فى إعاقته لحرية المرأة بعد عقود من مطالب المساواة التى ضلت طريقها بالنهاية، ومن جانب آخر عبر النظر فى الآثار النفسية والاجتماعية والبيئية التى تنتج عن الوجود فى عالمنا الراهن. 

فى كتابها «هل أنا حرة؟»، تبحث ستالسبيرج آثار منطق السوق على الحياة اليومية؛ لا سيما لدى النساء، فبعد أن ناضلت المرأة للتحرر من كونها ربة منزل دون إرادتها لأجل العمل، فإن ذلك لم يقد إلى حرية المرأة التى لا تستطيع التحرر من مأزق ضيق الوقت ومن هيمنة قوانين السوق أو من مكان العمل حيث نشعر بعدم الحرية، فالعيش ضمن نظام اقتصادى يرتكز على منطق السوق يفرض على الحياة اليومية متطلبات بعينها، ويؤثر على الطريقة التى نحيا بها. 

تقول ستالسبيرج: «إن مأزق ضيق الوقت يدفعنا لأن نفكر فيما تحمله الحياة من معنى بالنسبة لكل واحد منا، لأن الحياة اليومية عندما تصبح حافلة بالمشاغل ومحمومة، لدرجة أن كل شىء يصبح بلا معنى، يتعين علينا أن نتوقف ونفكر ونراجع أنفسنا.. وربما يعلمنا مأزق ضيق الوقت شيئًا أكثر أهمية مما نراه لأول وهلة، مجرد شىء ضاغط وإلحاحى، فقد نكون قد بنينا نظامًا اقتصاديًا ذكيًا مفيدًا وفعالًا، ولكن يبقى هناك سؤال: هل هو نظام يتسم بالحكمة؟».

فى كتابها التالى «كفى.. كيف تدمر الليبرالية الجديدة البشر والطبيعة» تسعى ستالسبيرج إلى معرفة بدايات تغلغل هذا النظام ضمن نطاق شتى المجتمعات، وترصد آثاره السلبية على الأصعدة النفسية والاجتماعية والبيئية بصورة أكثر اتساعًا من نطاق عملها الأول. 

تشرح ستالسبيرج فى كتابها أن جزءًا كبيرًا من سياسة الليبرالية الجديدة يدور حول التفكير فى كل شىء من وجهة نظر اقتصادية، ما يدفع نحو الإعلاء من بعض السمات الشخصية، بينما تهمش بعض السمات الأخرى، فمن بين السمات الشخصية المطلوبة بالوقت الراهن؛ القدرة على التواصل ومعرفة العديد من الأشخاص، وأن يكون الشخص قادرًا على إثبات وجوده والتسويق لذاته، وبلورة مميزاته وإنجازاته الشخصية، وأن يكون مخاطرًا ومفعمًا بالحياة. 

توضح المؤلفة أن العيش فى ظل الرأسمالية والليبرالية الجديدة، وفى مجتمع يفتقر إلى الضمان الاجتماعى والتضامن، جعل الناس محطمين نفسيًا، وعلاوة على ذلك، قاد إلى دمار للبيئة والكوكب الذى نحيا به، فقد تفاقمت أزمة المناخ، ومن المتوقع أن تتفاقم بصورة أكثر صعوبة إذا استمر العالم على المنوال ذاته. 

تبين ذلك بقولها: «تعد العلاقة بين الإنسان والطبيعة أكبر معضلة تواجهنا فى عصرنا الحالى، لقد أثبت العلم منذ زمن طويل، أن الإنسان هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة، ونحن مدركون ذلك ولم نغفل هذه الحقيقة، ولكن ممارساتنا فى حياتنا اليومية تعكس حقيقة حالنا.. يجب علينا خوض معركتين بالتوازى؛ معركة تحقيق العدالة من جهة، ومعركة حماية البيئة والطبيعة من جهة أخرى، ومن خلالهما نتحدى النموذج الاقتصادى الجائر والمدمر، ومن ثم يستفيد البشر والطبيعة».