رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يهاجمون مصر ولا يهاجمون إسرائيل

بعضهم مشكلته مصر، يفتش فى الأمور كلها، قاصدًا أن يرصد مواضعها ومواقفها، ثم ما يلبث أن يبدأ تعليقاته المعارضة لها والناقمة عليها، هكذا والله، بلا أسباب واضحة، كأن معاداتها صارت مهنة فى حد ذاتها، مهنة فارغين وحقدة طبعًا، غير أن بعضهم يمعن فى هذه المعاداة إلى أن يصدق مذهبه الآخرون. 
قامت مصر بواجبها تجاه القضية الفلسطينية، أتحدث عن تاريخ طويل لا عن اللحظة الراهنة المستعرة وحسب، ولم تطلب ثمنًا فى يوم من الأيام، ولا قالت إنها تفضلت على الشقيقة والجارة بشىء، ولا هى من تطلب ثمنًا ولا مَن تتفضل على أحد أصلًا فضلًا عن أهلها، وفي الواقع المعقد الحالى، وربما كان الأكثر تعقيدًا بمدى سنين الصراع الطويل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع مراعاة الفوارق الجوهرية بين حالتيهما عند تقييم الصراع، قامت مصر بدورها الكبير كالعادة، قامت به مضاعفًا، لأن الحرب جاوزت توقعات أكثر المتشائمين تشاؤمًا؛ فمن مؤتمر السلام فى القاهرة إلى الحراك الدبلوماسى الدءوب الذى لا يهدأ، إلى الوساطات العلنية والسرية إلى المساعدات الإنسانية من خلال معبرها المرصود إلى ورقتها البليغة القوية فى القمة العربية الإسلامية بالرياض إلى جميع ما يأتى بهذا الشأن، لأنها البلد الكبير الراعى الذى يحرص على ألا يغيب، وقد يسأل متربص بالوطن كمن ذكرته فى أول الكلام: وما النتيجة؟ 
فأقول: إن سؤاله القصير خاطئ وخادع فى آن واحد؛ خاطئ لأنه يعلم، كغيره، أن من يقول ويفعل، في أجواء بائسة ملتبسة، هو كيان نشيط آمل، يسعى إلى إنقاذ قضية شرعية عادلة من ضياع يتربص بها سرمديا، بل يعتبرها قضيته، وهو، بكلامه وأعماله، يثبت وجوده الحيوى بالتفاعل مع ما يجرى وبمشاركة الأنداد فى المصاب القومي الفادح وبالدفاع عن النفس بالطبع، وهكذا هو لا يتنصل من المسئولية العامة أو الخاصة، وبالنسبة لمصر بالذات فإننا فى قلب الخطر ولسنا ببعيدين عنه قيد أنملة، وأظن الأسباب مفهومة، من حيث كونها المطمع الأساسى، وأما النتيجة التى يسأل عنها أخونا الدعى الخبيث فليست مضمونة فى جميع الأحوال، لا سيما والطرف الإسرائيلي لا يسمع سوى صوت نفسه، وطالما يرفض أن يسمع حتى صوت حاضنته الأمريكية وملهمته.
مصر ذات ثقل فارق ولذا تستطيع إحداث معجزة ما، هذا معلوم لديها ولدى العالم، مهما أرادت القوى المهيمنة تهميشها، ومهما أراد الصغار أن يكبروا على حسابها، ولذا تقول وتعمل فلا تسكت ولا تكل، وإن كانت تستعجل ردة الفعل أحيانًا حول ما تضلع به من الأمور، إلا أنها تظل على يقين من أن القول والعمل، قولها وعملها هي، قد يثمران غدًا حلولًا لم تكن في الحسبان. 
السؤال خادع أيضًا، كما ذكرت آنفًا، نعم خادع بكل تأكيد، لأنه بلفظه الواحد المحدد، ورنته الواضحة هكذا فى نفوس مستقبليه، كأنه يوحى بشىء ما، والحقيقة أن لا شىء في السؤال، لا شىء سوى أنه مفخخ بالفتنة، والمعنى أنه يحاول ضرب الثقة بين أمة ومواطنيها فى لحظة بالغة الصعوبة، ولا شىء فيه سوى صخب إيقاع الاستفهام بذاته، ومن ثم الدفع إلى الإغراق فى البحث عن الإجابة، الإغراق المحير المشتت بالطبع.
لا تهاجم مصر، يا أخى الذى يجهل الأشياء ويجهل أنه يجهلها، بئس الأخ أنت، هاجم إسرائيل التى تقتل الجهود المصرية الحثيثة، كما تقتل جهود الدول بأسرها، وتصر على الكبر والمعاندة والغطرسة والعنجهية، وتأبى، حتى الساعة، إلا أن تجر المنطقة والعالم إلى آفاق حرب عالمية ثالثة.