رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحلام الصهاينة.. وثائق بريطانية: إسرائيل وضعت خطة سرية قبل 52 عامًا لترحيل آلاف الفلسطينيين من غزة إلى سيناء

أحلام الصهاينة
أحلام الصهاينة

بهذه الكلمات المختصرة، قدمت «بى بى سى نيوز عربى» موضوعها التالى، الذى نقلت فيه عن وثائق بريطانية رسمية وجود «خطة إسرائيلية سرية»، قبل ٥٢ عامًا، لتهجير سكان غزة إلى مدينة العريش فى شمال سيناء المصرية.

ونظرًا لخطورة الموضوع، وكثرة الحديث عنه خلال الفترة الحالية، بالتزامن مع الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة ضد أهالى قطاع غزة، وكون هذه الوثائق رسمية، فى ظل صدورها عن وزارة الخارجية البريطانية، تعيد «الدستور» نشرها فى السطور التالية، من باب التنبيه والتحذير ومعرفة العدو وتفكيره.

التحركات بدأت بعد حرب يونيو 67.. واطلعت عليها السفارة البريطانية

بعد احتلال الجيش الإسرائيلى غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، فى حرب يونيو عام ١٩٦٧، أصبح القطاع مصدر إزعاج أمنيًا لإسرائيل، وباتت مخيمات اللاجئين المكتظة بؤر مقاومة للاحتلال، فمنها انطلقت عمليات مقاومة ضد القوات المحتلة والمتعاونين معها.

وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه عندما احتلت إسرائيل غزة، كان فى القطاع ٢٠٠ ألف لاجئ، من مناطق فلسطين الأخرى، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، و١٥٠ ألفًا آخرون هم سكان القطاع الأصليون الفلسطينيون.

وقالت تقاريرهم إن غزة لم تكن «قابلة للحياة اقتصاديًا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات وأنشطة الفدائيين التى تسببت فى أعداد متزايدة من الضحايا».

وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه خلال الفترة بين عامى ١٩٦٨ و١٩٧١، قُتل ٢٤٠ فدائيًا عربيًا «فلسطينيًا» وأصيب ٨٧٨ آخرون، بينما قتل ٤٣ وأصيب ٣٣٦ جنديًا من قوات الاحتلال الإسرائيلية فى غزة.

وأعلنت الجامعة العربية حينها عن إصرارها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين فى غزة، وقررت «تبنى إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة فى القطاع».

كانت بريطانيا مهتمة بالوضع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، خاصة غزة. وردًا على استجوابات برلمانية، أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العموم بأنها «تتابع بدقة التطورات فى القطاع». وقالت: «نرقب التحركات الإسرائيلية الأخيرة باهتمام خاص، ومن الطبيعى أن ننظر بقلق إلى أى عمل من جانب السلطات الإسرائيلية من شأنه الإضرار برفاهية ومعنويات السكان اللاجئين العرب (الفلسطينيين) فى المنطقة».

فى تلك الأثناء، رصدت السفارة البريطانية فى تل أبيب تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش التى تقع شمالى شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبعد قرابة ٥٤ كيلومترًا عن حدود غزة مع مصر.

وحسب تقارير السفارة، فإن الخطة شملت «النقل القسرى» للفلسطينيين إلى مصر أو أراضٍ إسرائيلية أخرى، فى محاولة لتخفيف حدة العمليات الفدائية ضد الاحتلال والمشكلات الأمنية التى تواجه سلطة الاحتلال فى القطاع.

وفى أوائل سبتمبر عام ١٩٧١، أسرت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية.

وأبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلى آنذاك شيمون بيريز «زعيم حزب العمل ووزير الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الدولة فى إسرائيل لاحقًا» المستشار السياسى للسفارة البريطانية فى تل أبيب بأنه «حان الوقت لإسرائيل كى تفعل أكثر فى قطاع غزة وأقل فى الضفة الغربية».

وفى تقرير عن اللقاء، قالت السفارة إن بيريز، الذى كان مسئولًا عن التعامل مع الأراضى المحتلة، أكد «أنه رغم أن الحكومة (الإسرائيلية) لن تعلن رسميًا السياسة الجديدة، ولن تنشر توصيات اللجنة الوزارية التى تراجع الموقف، فإن هناك الآن اتفاقًا فى مجلس الوزراء على متابعة تدابير بعيدة المدى للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع مشكلات غزة».

وأضاف التقرير أن بيريز «يعتقد أن هذه التدابير سوف تؤدى إلى تحول فى الوضع خلال عام أو نحو ذلك». وبرر التكتم على السياسة الجديدة بأن إعلانها «لن يؤدى إلا إلى تغذية الذخيرة لدى أعداء إسرائيل».

وردًا على سؤال عما إذا كان «سيتم (وفق السياسة الجديدة) نقل الكثير من الناس (من القطاع) لاستعادة السلم وقابلية الحياة إلى قطاع غزة»، قال بيريز إنه «ستتم إعادة توطين حوالى ثلث سكان المخيمات فى أماكن أخرى فى القطاع أو خارجه». وأكد اعتقاد إسرائيل بأن «هناك حاجة ربما إلى خفض إجمالى عدد السكان بحوالى ١٠٠ ألف شخص».

وعبّر بيريز عن «الأمل فى نقل حوالى ١٠ آلاف أسرة إلى الضفة الغربية، وعدد أصغر إلى إسرائيل»، غير أنه أبلغ البريطانيين بأن التهجير إلى الضفة وأراضى إسرائيل «ينطوى على مشكلات عملية مثل التكلفة العالية».

وأبلغ الوزير الدبلوماسى البريطانى بأن «معظم المتأثرين هم فى الواقع راضون بأن يجدوا لأنفسهم سكنًا بديلًا أفضل مع تعويض عندما تُزال أكواخهم، أو يقبلون شققًا عالية الجودة بناها المصريون فى العريش، حيث يمكن أن تكون لديهم إقامة شبه دائمة».

سأل الدبلوماسى البريطانى بيريز: هل العريش تعتبر الآن امتدادًا لقطاع غزة؟

فرد بأن «استخدام المساكن الخالية هناك قرار عملى تمامًا».

تقرير سرى: تل أبيب طردت 2522 فلسطينيًا من مخيم النصيرات إلى العريش 

سعى إسرائيل لتنفيذ سياستها لم يتوقف، وإن تباطأت وتيرته. وقالت السفارة البريطانية، فى تقرير إلى الخارجية فى أواخر أغسطس عام ١٩٧١، إن «عمليات التطهير فى المخيمات مستمرة، رغم أنها تسير بوتيرة أبطأ لأن السكن البديل فى العريش وأماكن أخرى فى الأراضى المحتلة ليس متاحًا». وأكدت أن عددًا من اللاجئين الفلسطينيين نقلوا بالفعل من مخيم النصيرات إلى العريش.

وبحلول نهاية شهر ديسمبر نقلت لندن معلومات من إسرائيل عن «المطرودين» الفلسطينيين إلى خارج غزة. وحسب المعلومات التى نقلت خلال زيارة لدبلوماسى إسرائيلى إلى إدارة الشرق الأدنى، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلى «رحلت ٣٣٢ أسرة (عدد أفرادها ٢٥٢٢ شخصًا)، من بين ١٦٣٨ أسرة إلى العريش».

وفى برقية بعنوان «طرد الإسرائيليين للاجئين من غزة»، قالت الإدارة إنه «تم بالفعل طرد ١٦٣٨ أسرة (١١٥١٢ شخصًا) من منازلهم فى قطاع غزة إما إلى مناطق أخرى فى القطاع أو إلى مواقع أخرى خارجه».

وفى تقييم عام آخر للوضع، تحدث السفير البريطانى عن حلول أخرى محتملة لمشكلة غزة أحدها هو «إمكانية أن تُربط غزة يومًا ما بالأردن كى يكون لهذا البلد منفذ إلى البحر المتوسط». وأضاف أن: «احتمال أن يكون القطاع جزءًا من سوق شرق أوسطى مشترك»، هو أحد الحلول الأخرى.

فى الوقت نفسه، جرى نقاش فى وزارة الخارجية بشأن مدى اتفاق السياسة الإسرائيلية مع معاهدة جنيف الرابعة التى تحدد مسئوليات دول الاحتلال.

فوفق المادة ٣٩ من المعاهدة، فإنه يُحظر النقل القسرى الفردى أو الجماعى، وكذلك عملية ترحيل الأشخاص من أرض محتلة إلى أرض سلطة الاحتلال أو أرض أى دولة أخرى، سواء تخضع للاحتلال أم لا، وبغض النظر عن الدافع وراء ذلك.

وخلص تقييم للمستشار القانونى للوزارة إلى أن توطين اللاجئين (من غزة) فى سيناء وليس فى منطقة أخرى فى غزة «ربما يلقى اعتراضًا سياسيًا».

غير أنه قال: «أعتقد أنه سيكون من الصعب، بناءً على الأسس القانونية، تحدى (خطة التوطين) لو قالت إسرائيل بصرامة إن العملية برمتها نُفذت من أجل أمن السكان». غير أن المستشار القانونى عاد ليحذر من أنه «لا يرى مبررًا لاعتماد إسرائيل بثقة على هذا البند» فى معاهدة جنيف الرابعة. وأشار إلى أنه لا يمكن الثقة فى حجة إسرائيل بأنها قادرة فى الوقت المناسب على إعادة اللاجئين إلى منازلهم «بينما تدمر هى نفسها منازلهم فى سياق العملية نفسها»، فى غزة. ونبه أيضًا إلى أنه يمكن الادعاء بأن العملية الإسرائيلية لإجلاء فلسطينيى غزة عقاب جماعى. 

وشدد على أنه «لا ينبغى معاقبة أى شخص محمى (تحت الاحتلال) على جريمة لم يرتكبها شخصيًا. فالعقوبات الجماعية وكذلك كل إجراءات الترويع أو الإرهاب محظورة» وفقًا للمادة ٣٣ من المعاهدة الدولية.

الجيش الإسرائيلى أقر المخطط الخبيث.. ومسئولون بريطانيون: «نتائجه عملية»

فى تقييم منفصل لما أسرّ به بيريز، أشار إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطانى فى إسرائيل، إلى أن الإسرائيليين يرون أن أى حل دائم لمشكلات قطاع غزة «يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية».

وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة تشمل توطين الفلسطينيين فى شمال شبه جزيرة سيناء المصرية، غير أنه قال إن «الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم»، بالنسبة لإسرائيل.

وفى تقرير عن الموضوع، قال إم إى بايك، رئيس إدارة الشرق الأدنى فى الخارجية البريطانية، إنه «يجرى الآن اتخاذ تدابير صارمة لتقليص حجم مخيمات اللاجئين وفتحها. وقُصد بهذا النقل القسرى للاجئين من منازلهم الحالية، أو بالأحرى أكواخهم، كى أكون أكثر دقة، وإجلاؤهم إلى العريش فى الأراضى المصرية».

وأضاف: «يجرى الآن فيما يبدو متابعة برنامج أكثر طموحًا لإعادة التوطين».

بعد شهر، أبلغ الجيش الإسرائيلى، فى لقاء رسمى، عددًا من الملحقين العسكريين الأجانب بتفاصيل إضافية عن خطة ترحيل الفلسطينيين من غزة.

وخلال اللقاء، قال العميد شلومو غازيت، منسق الأنشطة فى الأراضى المحتلة، إن جيشه «لا يدمر (مساكن الفلسطينيين فى غزة) ما لم يكن هناك سكن بديل. هذا هو القيد الوحيد الذى سوف تقبله الحكومة العسكرية. والعملية مرهونة بحجم السكن البديل المتاح بما فى ذلك (السكن) فى العريش».

وحسب تقرير لملحق السلاح الجوى البريطانى عن اللقاء، سُئل العميد غازيت عن سبب اختيار شمال سيناء قال: «السكن فى العريش قد اختير لأنها المكان الوحيد الذى تتوفر فيه منازل خالية وفى حالة جيدة بعد إصلاحها». وأضاف: «لن يكون هناك بناء جديد فى العريش، فالمنازل المتاحة كانت تخص ضباطًا مصريين فى السابق».

بدا هذا الوضع مغايرًا، من وجهة نظر البريطانيين، لثلاثة مبادئ كان قد أعلنها الجنرال موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، تضمن السيطرة على الأراضى المحتلة بعد حرب ٦٧. وهذه المبادئ هى: حد أدنى من الوجود العسكرى، وحد أدنى من التدخل فى الحياة المدنية الطبيعية، وأقصى اتصال أو جسور مفتوحة مع إسرائيل وبقية العالم العربى.

وفى تقرير عن وضع غزة، قالت إدارة الشرق الأدنى فى الخارجية البريطانية: «السؤال الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للمستقبل هو ما إذا كانت إسرائيل مستعدة الآن، فى حالة غزة، لتعديل فى المبادئ الثلاثة؟».

وحسب رأى السفير البريطانى فى إسرائيل فإن «مخيمات اللاجئين توفر ظروفًا مثالية لنشاط الفدائيين، الأمر الذى جعل من الصعب تطبيق سياسة الجسور المفتوحة»، التى عبّر عن اعتقاده بأنها نجحت فى الأراضى المحتلة الأخرى.

ونبه السفير بارنز، فى تقرير شامل إلى وزير الخارجية، إلى أن معلوماته تقول: «(الأونروا) تتوقع لجوء إسرائيل إلى حل الترحيل». وقال إن الوكالة «تتفهم المشكلة الأمنية الإسرائيلية»، لكنها «لا يمكن أن توافق على النقل القسرى للاجئين من منازلهم، ولا إجلائهم حتى على أساس مؤقت إلى العريش فى مصر». غير أن السفير عبّر عن اعتقاده بأن «توطين اللاجئين الغزاويين فى الأراضى المصرية فى العريش هو نموذج لعدم الحساسية (الإسرائيلية) تجاه الرأى العام الدولى».

وفى تقييمه للخطة السرية الإسرائيلية، حذرت إدارة الشرق الأدنى من أنه «مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدى، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذى تثيره هذه العقيدة (الإسرائيلية) القائمة على خلق حقائق على الأرض، فى العالم العربى والأمم المتحدة». 

«بى بى سى» تزعم: مبارك وافق على التوطين.. والرئيس الأسبق: «رفضت عدة مساعى لذلك»

فى ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧، كشفت وثائق سرية بريطانية مزاعم عن أن الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك قَبِل توطين فلسطينيين فى مصر قبل أكثر من ثلاثة عقود.

وحسب الوثائق، التى نشرتها «بى بى سى»، فإن مبارك استجاب لمطلب أمريكى فى هذا الشأن. وقد اشترط كى تقبل مصر توطين الفلسطينيين فى أراضيها، التوصل لاتفاق بشأن إطار عمل لتسوية شاملة للصراع العربى الإسرائيلى.

وفى ظل هذا الوضع بالغ التوتر فى الشرق الأوسط، سعى مبارك لإقناع الولايات المتحدة وإسرائيل بقبول إنشاء كيان فلسطينى فى إطار كونفيدرالية مع الأردن، تمهيدًا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مستقبلًا.

وردًا على ذلك، نفى مبارك حينها قبوله توطين فلسطينيين فى مصر فى إطار تسوية للصراع العربى الإسرائيلى. وقال، فى بيان نشرته وسائل إعلام مصرية: «لا صحة مطلقًا لقبول توطين الفلسطينيين فى مصر»، مضيفًا أنه «إبان الغزو الإسرائيلى للبنان عام ١٩٨٢.. واشتعال الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط.. اتخذت قرارى بسحب السفير المصرى من إسرائيل، وعملت على تأمين خروج الفلسطينيين المحاصرين فى بيروت، وعلى رأسهم ياسر عرفات».

وواصل: «كانت هناك مساعٍ من بعض الأطراف لإقناعى بتوطين بعض الفلسطينيين الموجودين فى لبنان آنذاك فى مصر، وهو ما رفضته رفضًا قاطعًا»، مؤكدًا «رفض كل المحاولات والمساعى المتلاحقة لتوطين فلسطينيين فى مصر، أو مجرد التفكير فيما طرح عليه من قِبل إسرائيل، تحديدًا عام ٢٠١٠ لتوطين فلسطينيين فى جزء من أراضى سيناء، من خلال مقترح لتبادل أراضٍ».

وتابع: «أكدت لرئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت عدم استعدادى حتى للاستماع لأى طروحات فى هذا الإطار مجددًا».