رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق فهمى: سيناء «مطمع قديم» لأن إسرائيل تعانى من عقدة «الدولة المتقزمة» وتبحث عن عمق استراتيجى

طارق فهمى
طارق فهمى

قال الدكتور خالد فهمى، أستاذ العلوم السياسية، إن مشكلة الكثافة السكانية العالية فى قطاع غزة، التى تسعى إسرائيل لحلها من خلال مقترحات التهجير إلى سيناء، مشكلة تخص دولة الاحتلال.

ورأى «فهمى»، خلال حواره فى برنامج «الشاهد» مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، المُذاع على قناة «إكسترا نيوز»، أن مصر ليست معنية بهذه المشكلة، وليست طرفًا فيها لتشارك فى حلها.

واقترح أستاذ العلوم السياسية ردم جزء من ساحل البحر الأبيض المتوسط، من أجل إضافة مساحة جديدة لقطاع غزة تسهم فى حل المشكلة، بدلًا من تهجير السكان، محذرًا من أن سيناء «مطمع صهيونى قديم»، لأن إسرائيل تعانى من عقدة «الدولة المتقزمة»، وتسعى بكل جهد لإيجاد «عمق استراتيجى» لها.

■ متى بدأ الترويج لمقترح تهجير الفلسطينيين لسيناء؟ 

- مخطط تهجير الفلسطينيين قديم متجدد، يتجدد مع كل أزمة، وجزء منه مرتبط بالفكر الاستراتيجى الإسرائيلى منذ قيام الدولة، ويدخل ضمن محاور مناطق التوسع ومناطق الاستهداف المباشر، وسيناء درة التاج، وجزء من «المشروع الصهيونى الكبير».

إعلان قيام دولة إسرائيل تم وفق القرار الدولى رقم ١٨١ عام ١٩٤٧، لكنه تضمن أيضًا وجود دولتين عربية ويهودية، ولا يمكن لإسرائيل أن تتذرع لاحقًا، أو أن تطعن فى قرار دولى، لذا أقول للفلسطينيين يوجد قانون دولى نحتكم إليه يضمن لكم دولة مستقلة ذات سيادة.

والخريطة الحالية لإسرائيل مشوهة ومقطعة الأوصال، والمدن الشمالية صناعية، وهى نقطة ضعف الدولة بسبب وجود «حزب الله» فى الشمال، ومناطق التجمع الاقتصادى فى الشمال والعائلات الكبرى، لأنه من المعروف أن إسرائيل تضم ٥ عائلات اقتصادية وتكنولوجية كبرى.

وتعانى إسرائيل من عقدة «الدولة المتقزمة»، وتحتاج عمقًا وامتدادًا استراتيجيًا لتأمين الدولة، لأن حدودها يمكن أن نطلق عليها حدودًا غير متكاملة، ولهذا السبب فإن طياريها لا يتدربون فى إسرائيل، لكن يتدربون فى تركيا ودول إفريقية، وذلك لأن مساحة الدولة صغيرة.

وإسرائيل بنت جدارًا عازلًا حولها وحددت به حدودها، والحديث عن أن حدود إسرائيل هى الأرض التى يستطيع أن يصل إليها آخر جندى إسرائيلى كلام فارغ، فإسرائيل رسمت حدودها مع مصر بمعاهدة السلام، وفلسطين بالجدار العازل، كما رسمت حدودها مع لبنان. 

الجيش الإسرائيلى كان يعانى من حالة انكسار قبل ٧ أكتوبر الجارى، وكانت هناك بوادر انشقاقات كبرى، وتوجد خطة لتحديثه بالفعل ليتحول إلى جيش ذكى قوامه ١٠٠ ألف مقاتل محترف يعتمد على التكنولوجيا، ويخضع جنوده لقواعد تدريب جديدة، والمفارقة أن خطة التحديث كان من المفترض أن يجرى الانتهاء منها فى نوفمبر ٢٠٢٤، ولكن جاءت عملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر فقضت على ما تبقى من هيبة هذا الجيش وعزيمة جنوده.

أعلى نسبة انتحار فى العالم فى الجيش الإسرائيلى، وأعلى نسبة سرقات تحدث فى الثكنات والوحدات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلى، من معدات وأسلحة، وتوجد معدلات مرتفعة لرفض الخدمة العسكرية، ولهذا جرى مد فترة الخدمة العسكرية حتى ٥٠ عامًا.

■ لماذا يشعر جنرالات الجيش الإسرائيلى بإهانة كبيرة؟

- جنرالات الجيش الإسرائيلى يشعرون بمهانة كبيرة بسبب حروبهم التالية بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، لأنهم وجدوا أنفسهم فى حروب صغيرة مع فصائل المقاومة، وهو ما أدى إلى إعداد خطط تطوير الجيش الإسرائيلى.

والهدف الأساسى لخطة تطوير الجيش هو الوصول لنقطة توازن، وربما تفوق على قدرات الجيش المصرى، لأن الجيش الإسرائيلى يؤمن بأن الخطر الأكبر على وجود إسرائيل فى المنطقة يأتى من مصر وليس من أى جهة أخرى.

وفى إسرائيل يعقد مؤتمر سنوى لمركز بحثى يدعى «هرتسليا»، هذا المركز أحد أخطر مراكز البحث فى إسرائيل، وتصدر عنه توصيات مهمة، وأنا أتابع ندواتهم، ولاحظت أنه عند الحديث عن الشأن المصرى يتم قطع البث.

هذا المركز يرصد كيف يمكن حماية إسرائيل على المدى البعيد، حيث تستهدف إسرائيل إكمال ١٠٠ سنة فى الإقليم، وإذا حدث ذلك ستقول إسرائيل إنها دولة مقبولة فى المنطقة.

جرى إعداد خطط تطوير أخرى للجيش الإسرائيلى، لأنه يعتبر الجيش المصرى الهاجس الأكبر لدى إسرائيل، لأن مصر لديها رأى عام قوى وفاعل يقوده مثقفون ومفكرون، ولديها مناعة وطنية وحسابات قوى شاملة.

وعملية السلام مع إسرائيل كل هذه السنوات كانت مهمة لهم ولنا، والتجربة ناجحة، ولم تقع نزاعات حدودية، كلها مناوشات محدودة، حتى واقعة الجندى محمد صلاح لم تتسبب فى أزمة كبرى، وكان كل الهاجس الإعلامى الإسرائيلى يومها هو: «لماذا يكرهنا المصريون؟».

وتوجد آراء تقول إن إسرائيل دولة متطرفة وتمارس عملًا إرهابيًا، وما تقوم به فى غزة عمل إرهابى يمارس تحت مرأى ومسمع العالم مع تواطؤ العالم والغرب كله، وموقف مصر ضد كل ما يجرى فى غزة يعتبر حائط الصد أمام كل ما نشاهده، والمعطيات الرئيسية تعمل لصالح مصر.

■ مَن الجهة صاحبة اليد العليا فى إدارة إسرائيل؟ وهل هناك تنمية حقيقية كما يدعون؟

- إسرائيل تمتلك السلاح النووى، وبالتالى تغيرت طريقة حديثها للعالم بشكل كبير من دولة ضعيفة تحاول الرد على ما تدعى أنه إرهاب موجه لها إلى دولة محورية، كما أن حجم الدعاية لإسرائيل يفوق الواقع، والسبب فى ذلك منصات التواصل الاجتماعى.

أرى أن المؤسسة العسكرية فى إسرائيل هى التى تدير الدولة، وبالتالى يغيب دور التنمية المجتمعية، وهذا ما جعل إسرائيل تتحول عبر السنوات.

■ ما «خطة الشيطان»؟ ومَن المسئول الأول عن طرح مثل هذه الأفكار؟

- «خطة الشيطان» هى الخطة الأولى للحكومة الإسرائيلية، التى تتمثل فى الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأول من وُضعت بين يديه كان أرئيل شارون، حتى وصلنا إلى خطة التوطين المتبادل، فهى نتائج أبحاث للكثير من الجنرالات فى إسرائيل.

صاحب فكرة التوطين المتبادل هو الجنرال جيورا أيلاند، رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى، الذى يعتبر من أهم جنرالات الحكومة الإسرائيلية، فقد وضع خطة التوطين المتبادل وفقًا للكثير من الدراسات، بعدما توصل إلى أن هناك أزمة فى قطاع غزة، وأنه خارج سيطرة الحكومة.

والخطة تتضمن استقطاع جزء من الأراضى المصرية فى سيناء بامتداد الساحل الموازى حتى مدينة غزة، لتأسيس دولة مستقلة تسمى «دولة غزة»، وفى مقابل المساحة التى سيتم اقتطاعها من مصر ستعوض بجزء من صحراء النقب.

كما جاء ذلك فى كتاب «الشرق الأوسط الجديد» الصادر عام ١٩٩١ لرئيس الوزراء الإسرائيلى السابق شيمون بيريز، الذى أشار لمثل هذه الخطة دون النظر إلى الأضرار التى ستلحق الدول الأخرى.

■ برأيك هل كانت هناك اتفاقات مع النظام السابق حول تنفيذ هذه الخطة؟

- الإسرائيليون نشروا وأعلنوا عن أن هناك اتفاقات ووثائق تؤكد أن الخطة عرضت على «الإخوان» أثناء حكمهم لصر بعد عام ٢٠١١، كما أن فكرة التوطين المتبادل عرضت فى عهد الرئيس محمد حسنى مبارك، لكنه رفضها بشدة.

وجنرالات إسرائيل وضعوا عدة بناءات هندسية لشكل الدول بصورة نظرية، فالجنرال يقوشع بين أرين، وهو أمريكى إسرائيلى، طرح فكرة التوطين المتبادل، وشرح البعد الاستراتيجى فى تنفيذ الخطة، حيث توجد فى تاريخ الدول العربية وقائع مشابهة لتبادل الأراضى، مثلما حدث بين العراق والسعودية، والأردن والسعودية، لكن هذا تم بالتراضى بين الدول. 

هذا الجنرال طرح التوطين المتبادل، وهو أن يتم توطين إسرائيليين فى الأراضى الفلسطينية، وأن الدولة الفلسطينية التى ستقوم فى يوم ما يكون لديها إسرائيليون وعرب، وبالتالى يحدث توطين متبادل.

يأتى هذا ضمن إجراءات بناء الثقة بين العرب وإسرائيل، وبالتالى فإن المواطنين الإسرائيليين الذين سيعيشون فى الكيان الآخر سوف يأخذون الجنسية، وهو ما يسمى بالتوطين المتبادل بين الشعبين العربى واليهودى، وهذه الأفكار، مثل فكرة التوطين المتبادل، ليس بها قدر من الرومانسية، لكن يوجد بها جزء من الصحة.

المستوطنون يفتعلون المشكلات ويريدون دخول المسجد الأقصى، ويريدون اقتحام الباحات وتقسيم المسجد الأقصى، وفى عام ٢٠١٣/٢٠١٤ لم تكن توجد مشكلات للمستوطنين بهذا الشكل الذى نراه اليوم، حيث زاد عدد المستوطنين اليوم إلى أربعة أضعاف، ويوجد طرد لآلاف الأسر المقدسية من مناطق القدس، وأجهزة الأمن تعمد إلى تسليح المستوطنين بـ٣ قطع سلاح، وتعطى المستوطن حق المرور الآمن فى كل الممرات المؤدية إلى القدس ومناطق الضفة.

وجرى طرح فكرة توسعة قطاع غزة بدلًا من التوسعة فى سيناء، لأن المشكلة لدى الاحتلال الإسرائيلى وليس لدينا، وذلك من خلال ردم البحر من أجل توسعة القطاع، خاصة أنه توجد مؤسسات أوروبية ومنظمات مانحة للتمويل مستعدة للمساهمة فى أمور مشابهة.

ومصر ليست طرفًا فى المشكلة، ويجب على المؤسسات المانحة أن توفر التمويل من أوروبا وأمريكا والدول الإسكندنافية والسويد، والدنمارك، لإنجاز عملية الردم لأنها مكلفة.

فإذا كان الاحتلال الإسرائيلى قد طرح فكرة التوطين لدينا فى سيناء، فنحن نرد عليه، وكذلك نرد على الدول الأوروبية التى تقول إن القطاع ضيق جدًا وبه كثافة سكانية عالية، ونقول لهم مولوا ووسعوا القطاع واصنعوا تغييرًا، لا توجد لدينا مشكلة فى ذلك.

إذا كان الاحتلال الإسرائيلى يطرح التوطين فى الصحراء، فعلينا أن نطرح له صحراء أيضًا، وبالتالى علينا أن نطرح له صحراء النقب فى إسرائيل، فإذا كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلى تتحدث عن نقل أهالى قطاع غزة إلى سيناء، فإن سيناء عامرة، لأنه جرى تغيير ملامح سيناء اليوم.

سيناء لم تعد صحراء، لكن صحراء النقب فى إسرائيل لم تشهد أى مشروع تنمية حتى هذه اللحظة، كما أنه توجد وزارة تسمى «وزارة النقب»، وهى وزارة خاصة بعرب ٤٨، ووزارة للمجتمعات اليهودية فى هذه المناطق، ولم يتم تعميرها، لأنها بحاجة إلى تمويل، وبالتالى فإن الأموال الخاصة وتمويل دول الاتحاد الأوروبى والأمريكان الذين يخافون عليكم ستكون كافية لإعمار صحراء النقب.

مصر دفعت الكثير ثمنًا للسلام، ولن تدفع التكلفة مرتين، وتجربة مصر فى السلام مع إسرائيل فريدة، لأننا استعدنا سيناء، لكن الأشقاء فى الأردن أجروا أراضيهم لمدة ٢٥ سنة، والفلسطينيون واللبنانيون حتى الآن أراضيهم محتلة، وهذا من آثار حرب ١٩٦٧، لكن مصر حاربت وفاوضت ودخلت مفاوضات سياسية وفض اشتباك والكثير من القصص.

وبالتالى غيرت مصر من معادلة الصراع العربى الإسرائيلى، ولا يجب عليها أن تدفع ثمن السلام مرتين، لأن مصر دفعت ثمن السلام بالفعل بدماء الشهداء ومصابى الحرب ومن قوت المصريين، وبالتالى فإننا لن ندفع التكلفة مرتين.

نحن دعمنا الأشقاء الفلسطينيين، ومازلنا ندعمهم، وسوف نستمر فى دعمهم، وهذا موقف مبدئى من القضية، وفيه جزء من أخلاقيات السياسة الخارجية المصرية، نحن قضينا عمرنا ندافع عن القضية الفلسطينية، حتى إن الرئيس محمود عباس والفلسطينيين على اختلاف فصائلهم يدركون تمامًا أن مصر هى الظهير الأمنى لهم.

■ ما أثر تطوير الجيش المصرى على إسرائيل؟

- إسرائيل تسأل أسئلة تبدو عادية مثل: لماذا تعمد مصر لتطوير القوات المسلحة فى جميع الأسلحة؟ ويتساءلون مَن العدو؟!

إسرائيل تسمى مصر «جبهة الجنوب»، وهى مصدر القلق لديهم، لأنهم يحاربون تنظيمات، أما فى ١٩٧٣ فكانوا يحاربون جيشًا نظاميًا، وهذه التساؤلات مطروحة فى دوائر مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وهى مهمة جدًا لديهم، لأنهم يبنون قراراتهم المهمة بناءً على توصيات بحثية.

وإسرائيل ما زالت تحتل كل الأراضى التى احتلتها عام ١٩٦٧ ما عدا مصر، فقد انتهى احتلالها بعد حرب ١٩٧٣ ومعاهدة السلام، واستعدنا أرضنا كاملة، والجيش المصرى اليوم ينتشر فى ربوع سيناء، وأى حديث حاليًا عن أن الجيش مقيد بالمناطق «أ» و«ب» و«ج» نوع من الهزل.

وإسرائيل توجه أصابع اللوم على ما حدث فى ٧ أكتوبر إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ويقولون له أتيت بالجيش المصرى على حدود إسرائيل، وأصبحنا على مرمى البصر، مما زاد من مخاوفهم، وأصبح واقعًا فى إسرائيل، والسؤال حاليًا لديهم: كيف يتعاملون مع الواقع الجديد؟