"لوثر ومحمد".. كتاب مترجم جديد عن دار روافد للنشر
صدر حديثًا عن دار "روافد للنشر والتوزيع" كتاب "لوثرومحمد"، من تأليف بيير اوليفييه ليشو أستاذ التاريخ الحديث بالمعهد البروتستانتي في باريس، ونقله إلى العربية محمد عبد الفتاح السباعي.
مقدمة الكتاب
جاء في مقدمة المترجم: كان لمارتن لوثر من الإسلام موقف يتسم بالأصولية والخصوصية في الوقت نفسه، ففي جوهره كان لوثر مستندًا إلى إرث العصور الوسطى في المسيحية، والذي يرى في الإسلام علامة على قرب نهاية الزمان وعقابا إلهيا للمسيحية؛ إذ كان لوثر مقتنعاً بأن ساعة النهاية أصبحت أقرب للعالم من حبل الوريد، وأن توغل الجيوش العثمانية في الأراضي الأوروبية ليس سوى آية من آياتها الكبرى. حيث إن المسلمين بالنسبة له هم وجه من وجهين للمسيح الدجال، أما الوجه الآخر فهو البابا في روما، وهو ما يعني أن المسلمين والبابا وجهلن لعلمة واحدة.
ولكن موقف لوثر هذا يمكن ربطه باتجاه آخر كان سائداً في العصور الوسطى أيضاً، وهو الفضول العلمي تجاه الإسلام، حيث كان هناك علماء مسيحيون يريدون معرفة الدين الإسلامي بشكل أفضل لتفنيد أسانيده على نحو أكثر واقعية من خلال حجج تستند إلى العقل في المقام الأول، ومن هنا تمت ترجمة نصوص القرآن إلى اللاتينية في شكل مخطوطات، فيما أمضى لوثر جزءاً كبيراً من أنشطته الإصلاحية في البحث عن القرآن مترجماً، إذ إن نظرته السلبية والمعادية للإسلام لم توقف شغفه العلمي تجاهه، فبالنسبة له: الإسلام هو نص وهذا النص هو القرآن ومن هنا وُلد الاهتمام البروتستانتي الخاص تجاه الإسلام. فكان أن تمت طُباعة القرآن للمرة الأولى من خلال المستشرق وعالم اللغة واللاهوت الإصلاحي السويسري تيودور بيبلياندر.
في القرن السابع عشر ومن خلال مفكرين، يتحدث الكتاب عنهم تفصيلاً ظهرت نظرة مغايرة تماماً للإسلام، مع التأكيد بأن هذا الدين له تاريخ كبير وهذا التاريخ في مجمله يتسم بالتسامح. وكان بيير بايل هو أول من تساءل: هل المسيحية حقاً دين للسلام وفقاً لما بشر به المسيح من تسامح ومحبة للآخر بينما المسيحيون يضطهدون بعضهم البعض بأكثر مما يفعل بهم غيرهم؟
وفي المقابل يوجد الدين الإسلامي الذي يبدو ظاهرياً محرضاً على العنف ومشجعاً على القتل، بينما الحقيقة تظهر أن تاريخه في مجمله قائم على التسامح: فأي من الحقيقتين يجب أن نرى ومع أي منهما يمكن أن نتعايش؟ ويجيب بايل: إن القتلى من المسيحيين على يد المسلمين أقل بكثير مما فعله المسيحيون ببعضهم البعض في مجزرة "سان بارتليمي" على سبيل المثال، وهي المجزرة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الفرنسيين البروتستانت على يد الكاثوليك في 24 أغسطس 1572، وذلك في العاصمة باريس قبل أن تمتد الأحداث الدموية لأسابيع وأشهر في عشرين مدينة أخرى.
غير أن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ومن هؤلاء ميجيل سيرفيت، ذلك المحامي الإسباني المولد والنشأة والحاصل على دكتوراة في الطب وماجستير في الآداب من باريس، والذي لم تكن لديه نظرة خيرة فقط تجاه الإسلام بل إنه كان مناهضاً لعقيدة الثالوث، وكان أول من يتساءل عن هوية المسيحية مستنداً في تساؤلاته على القرآن. وهو أول من قال بأن الإسلام يضعنا كمسيحيين أمام أسئلة صعبة وأن المسيحية عليها أن تتعلم من الإسلام.