رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تشارلز فى باريس!

بآلاف من رجال الشرطة ووحدات مكافحة الشغب والوحدات المتخصصة الأخرى، وبعشرات الكلاب المدربة على كشف المتفجرات، استقبلت باريس، أمس، العاهل البريطانى تشارلز الثالث، الذى كان يريد أن تكون العاصمة الفرنسية، التى زارها ٣٤ مرة حين كان وليًا للعهد، هى أولى محطاته الخارجية بعد جلوسه على العرش، غير أنها رفضت استقباله، أواخر مارس الماضى، لضرورات أمنية، فرضتها المظاهرات الصاخبة والإضرابات العنيفة، التى اجتاحت فرنسا، وقتها، احتجاجًا على تعديل قانون التقاعد.

فى تقديمها لـ«زيارة الدولة»، التى تستمر ثلاثة أيام، قالت الرئاسة الفرنسية إنها «تعكس عمق الروابط التاريخية التى تجمع البلدين، وفرصة لإبراز تألق فرنسا فى ميادين الثقافة والفن وفنون المطبخ والتراث الفرنسى الفريد فى هذا المجال الذى ستعكسه وليمة العشاء الرسمى فى قصر فرساى التاريخى». وجاء فى البيان، الصادر عن قصر الإليزيه، أن الزيارة «ترمز إلى علاقة الصداقة والثقة» القائمة بين الرئيس إيمانويل ماكرون والملك تشارلز الثالث، اللذين سبق أن عملا، معًا، فى الحفاظ على التنوع البيولوجى ومحاربة تغير المناخ. كما قال القصر الملكى البريطانى إن الزيارة تحتفى بالتاريخ والثقافة والقيم المشتركة للبلدين!.

لدى وصول الملك وقرينته إلى باريس، استقبلهما الرئيس الفرنسى وقرينته عند قوس النصر، حيث أضيئت شعلة الجندى المجهول، قبل أن يتوجه الملك إلى قصر الإليزيه؛ لعقد اجتماع مع الرئيس، قيل إنه ركز، أيضًا، على التنوع البيولوجى وتغير المناخ، و... و... وقمة الذكاء الاصطناعى، المقرر أن تستضيفها بريطانيا فى نوفمبر المقبل. أما وليمة العشاء، فمن المفترض أن تكون قد أقيمت، مساء أمس، بحضور ١٥٠ مدعوًا، فى «قاعة المرايا» بقصر فرساى، التى شهدت إعلان الزعيم الألمانى بيسمارك الوحدة الألمانية، سنة ١٨٧١، بعد الهزيمة التى ألحقتها قواته بالإمبراطور نابليون الثالث، واحتلت باريس على إثرها.

القاعة نفسها، استضافت الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، مرتين، الأولى سنة ١٩٥٧، بعد توتر العلاقات البريطانية- الفرنسية نتيجة «العدوان الثلاثى» على مصر، المعروف فى الغرب باسم «أزمة السويس». أما المرة الثانية فكانت سنة ١٩٧٢ حين انضمت المملكة إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وعليه، يمكن الربط بين عشاء أمس والعلاقات المتوترة بين البلدين، منذ سنوات، نتيجة الخلافات العديدة حول ترتيبات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، «بريكسيت»، وبشأن الصيد والهجرة غير الشرعية عبر «المانش»، ثم بسبب توقيع بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، منتصف سبتمبر ٢٠٢١، المعاهدة الأمنية الجديدة، معاهدة «أوكوس»، AUKUS، التى ألغت الأخيرة بموجبها صفقة غواصات كانت قد أبرمتها مع فرنسا. 

صحيح أن البلدين يمران بمرحلة «تعزيز وتوثيق العلاقات»، منذ القمة الثنائية التى جمعت الرئيس الفرنسى وريشى سوناك، رئيس الوزراء البريطانى، فى مارس الماضى، بعد انقطاع دام خمس سنوات، والتى تم خلالها إحراز تقدم بشأن غالبية الموضوعات الخلافية. غير أن عددًا من علامات الاستفهام أثارها حرص الرئيس ماكرون على استقبال كير ستارمير، رئيس حزب العمال البريطانى المعارض، عصر أمس الأول، الثلاثاء، أى قبل ساعات من زيارة الملك، الذى من المفترض أن يلتزم، تقليديًا، بالحياد السياسى الشديد!.

المهم، هو أن العاهل البريطانى سيلقى، اليوم، خطابًا أمام مجلس الشيوخ المجتمع بهذه المناسبة، قد يكون جزء منه بالفرنسية، مثلما تحدث بالألمانية أمام «البوندستاج» خلال زيارته لألمانيا، فى مارس الماضى. وبعد زيارة كاتدرائية نوتردام، التى يتم ترميمها منذ حريق أبريل ٢٠١٩، سيشارك الرئيس ماكرون فى ختام مؤتمر يستضيفه المتحف الوطنى للتاريخ الطبيعى، مخصص لتمويل المبادرات المناخية وحماية البيئة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، سيصل إلى مدينة مرسيليا، جنوبى البلاد، غدًا، فى زيارة تستغرق يومين، سيقيم خلالها قداسًا فى ملعب «فيلودروم»، بحضور الرئيس الفرنسى. وبعد غدٍ، السبت، أى بعد ساعات من مغادرة الملك البريطانى، وقبل انتهاء زيارة البابا، ستشهد باريس وغالبية مدن فرنسا موجات من المظاهرات احتجاجًا على أعمال العنف التى ترتكبها قوات الأمن الفرنسية!.