رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشروع «الممر» الأمريكى

فى مثل هذا الشهر سنة ٢٠١٣، أطلق الرئيس الصينى شى جين بينج مبادرة «الحزام والطريق»، أو «طريق الحرير الجديدة»، وبينما تستعد الصين لعقد المنتدى الثالث للمبادرة، والاحتفال بالذكرى العاشرة لإطلاقها، الشهر المقبل، أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن عن مشروع «ممر» يربط بين الهند وأوروبا، وقامت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق مبدئى، مع عدة دول، لإنشاء ذلك الممر، على هامش «قمة العشرين»، التى استضافتها العاصمة الهندية نيودلهى، وانتهت فعالياتها أمس الأول، الأحد.

الممر، الذى قال الرئيس الأمريكى، جو بايدن، إنه «سيغير قواعد اللعبة»، سيشمل مشروعات للسكك الحديدية، وأخرى لربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات. ومن وكالة الأنباء السعودية، عرفنا أن المملكة، والولايات المتحدة، وقعتا مذكرة تفاهم، لتحديد أطر التعاون ووضع بروتوكول «يسهم فى تأسيس ممرات عبور خضراء عابرة للقارات»، من خلال «موقع المملكة الذى يربط قارتى آسيا بأوروبا». ثم أكدت أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أن المشروع «أكبر بكثير من مجرد سكك حديد أو كابلات»، ووصفته بأنه «جسر أخضر ورقمى بين القارات والحضارات».

الكلام، كما ترى، وكما تؤكد خريطة العالم، يخاصم الجغرافيا. كما أن إشارة الأستاذة فون دير لاين إلى «الحضارات»، التى هى جمع حضارة، قد تضعه فى صدام مع التاريخ. وقد تدرك أنه لا علاقة له بالواقع، لو عرفت أنه يتكون من ممرين منفصلين، أولهما هو «الممر الشرقى»، الذى يربط الهند مع الخليج العربى، والآخر هو «الممر الشمالى»، الذى يربط الخليج بأوروبا. ولو كانت الخريطة أمامك، ستضرب أخماسًا فى أسداس لربط هذين الممرين، أو أحدهما، بـ«خط سكك حديدية جديد يبدأ من أنجولا ثم الكونغو وصولًا إلى زامبيا والمحيط الهندى»، قال الرئيس الأمريكى، إن بلاده تعتزم الاستثمار مع شركائها لإنشائه!

دخل الرئيس بايدن البيت الأبيض، فى ٢٠ يناير ٢٠٢١، وفى ٢٦ مارس التالى، أى قبل مرور شهرين، قال إنه اقترح على بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، وقتها، فى اتصال تليفونى، «أن تكون لدى الدول الديمقراطية خطة للبنية التحتية لمنافسة المبادرة الصينية المعروفة بالحزام والطريق». وطبقًا لما ذكرته وكالة «رويترز»، فقد قال بايدن للصحفيين: «اقترحت بأنه ينبغى، بشكل أساسى، أن تكون لدينا مبادرة مشابهة تنبع من الدول الديمقراطية لمساعدة دول العالم التى تحتاج، حقًا، للمساعدة».

تأسيسًا على ذلك، أو فى محاولة لتنفيذ مقترح أو حلم الرئيس الأمريكى، الذى يخاصم الجغرافيا والبعيد عن الواقع، جرى الإعلان عن مشروع شبيه، بمشروع الممر الهندى الأوروبى، خلال القمة السابعة والأربعين لـ«مجموعة السبع»، التى استضافتها بريطانيا، فى يونيو ٢٠٢١، تحت عنوان «إعادة بناء العالم بشكل أفضل»، والتى قاد خلالها جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندى، نقاشًا موسعًا بشأن الصين، انتهت بدعوة قادة دول المجموعة للتوصل إلى نهج موحّد لمواجهتها، وتقليص نفوذها المتنامى.

الإعلان عن المشروع نفسه، أو المشروع الشبيه، تكرر فى اجتماع قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان، السنوى التالى، بقصر إلماو الألمانى يونيو ٢٠٢٢. ووقتها، قال البيت الأبيض، فى بيان، إن الولايات المتحدة تسعى مع «مجموعة السبع»، إلى جمع ٦٠٠ مليار دولار بحلول سنة ٢٠٢٧، من أجل استثمارات عالمية فى البنى التحتية. وأوضح البيان أن هذه الأموال سيتم جمعها من خلال المنح والصناديق الاتحادية، واستثمارات القطاع الخاص، مضيفًا، أو زاعمًا، أن مئات المليارات من الدولارات الإضافية يمكن أن تأتى من بنوك التنمية متعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية وصناديق الثروة السيادية وغيرها!

.. وتبقى الإشارة إلى أن مبادرة «الحزام والطريق» أو «طريق الحرير الجديدة»، التى أطلقها الرئيس الصينى، فى مثل هذا الشهر سنة ٢٠١٣، والتى تتكامل مع تنمية محور قناة السويس وجهود مصر التنموية فى مجالات الطرق والموانئ البحرية والطاقة، تهدف إلى ربط الصين، بحرًا وبرًا، بجنوب شرق ووسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا، من خلال تطوير شبكة طرق وموانئ وسكك حديدية ومطارات وتجمعات صناعية.