رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"إحنا" والبريكس!

في ختام الدورة الخامسة عشرة لتَجَمُّع البريكس، الذي عُقدت قمته الأخيرة في مدينة "جوهانسبيرج"، عاصمة دولة جنوب إفريقيا، "22 ـ 24 أغسطس الماضي"، أُعلن عن انضمام ست دول جديدة لعضوية هذا المحفل السياسي/ الاقتصادي المُهم، من بينها مصر، وهو خبر أثلج قلوب الأغلبية العظمي ممن تلقونه، لإدراكهم أن هذا الأمر يُمثل فرصة طيبة مواتية، يمكن أن تكون عاملًا مُساعدًا للنهضة والتقدُّم، بالاستفادة مما تُتيحه من إمكانات، واستفادة قُصوى، لصالح تقدُّم وطننا وازدهار أحوالنا.

ومن المعروف أن الدول الخمس المُؤَسِّسة لهذا التجمُّع تُمثل نحو ثُلث حجم الاقتصاد العالمي، وخُمس حجم التجارة الدولية، و26 بالمئة من مساحة العالم، و43 بالمئة من سكان العالم، وتنتج أكثر من ثُلث حبوب العالم، وبانضمام الدول الست الجديدة بقُدراتها المالية والبشرية، سيزداد نصيبها من عناصر الاقتصاد العالمي الرئيسة، ويقترب عدد المُنضوين تحت لوائها من نصف سُكَّان العالم، وهي بهذا أصبحت أمرًا واقعًا يُحسب له حساب، خاصةً في لحظات الاستقطاب الدولي الراهنة، التي تتبدي فيها ملامح صراع كوني ضارٍ لإعادة مأسسة النظام الدولي المُجحف القائم، والسعي لبناء نظام دولي جديد، أكثر عدلًا وإنصافًا، بديلًا لمنظومة الهيمنة الأمريكية الغربية، التي انفردت بإحكام قبضتها على شئون العالم وثرواته خلال العقود الثلاثة الماضية، فزادته إرهاقًا على إرهاق، وضعفًا وفقرًا ومعاناة؛ على ضعفه وفقره ومعاناته التي لا حدود لها!

وبالنظر إلى هذا الواقع القائم، الذي ستُصبح مصر في غضون أشهرٍ قليلة، (مع مقدم عام 2024)، عضوًا عاملًا كامل الأهليّة فيه، دار جدلٌ في المجتمع أحسبه إيجابيًا، حول الفوائد والعوائد التي يُنتظر لمصر أن تجنيها من عضويتها في هذا المحفل المُهم، وكان من أبرز ما طُرح بهذا الشأن أن الفائدة الأساسية التي يُمكن أن تعود على مصر من هذه الخطوة المُهمة هى "الحصول على قروض مُيسَّرة"، (لمساعدتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، وبمتطلبات سداد ما يحل أمده من قروض وفوائد مُستحقة للجهات المُقرضة، وفي مُقدمها "صندوق النقد الدولي" وغيرها من الأطراف الدائنة).

والحق أن هذه النظرة لما يُمكن أن تستفيده بلدنا من هذا التجمُّع الدولي الواعد البازغ لا تتواءم مع ما يُمكن لبلدـ كمصرـ بتعداد شعبها، وإمكانات مواطنيها، وقدراتها الذاتية أن تُحققه بالالتحاق به، وهو مطلب شديد التواضع إلى حد يكاد أن يكون محدود الطموح، ذلك أن مصر بقواها الكامنة ودورها المحوري في منطقتها وعالمها، أكبر بكثير من هذه الحدود، وينبغي أن تكون تطلُّعاتها للاستفادة من هذه الفرصة السانحة أرفع قيمة وأعلى مقامًا!

وبمعنى آخر، فإن أهم من انتهاز فرص الاقتراض، التي لا تُوفر مخرجًا آمنًا ودائمًا من الأزمة، هو أن هذا الإطار سيفتح لإعضائه أُفقًا واسعًا يضم نصف سُكّان المعمورة، يُتيحُ مجالًا خصبًا للتأثير السياسي والجيوـ استراتيجي، وإطارًا هائلًا للانتشار الاقتصادي والتجاري، وسياقًا مفتوحًا للاستفادة من التطور التكنولوجي والابتكار الإنتاجي، عبر التواصل الفعّال مع الدول المتقدمة فيه (الصين، الهند، روسيا، ... إلخ)، كما يوفر دائرة واسعة للتبادلات الحضارية والثقافية، لمصر فيها فضل السبق، عبر المؤثرات التاريخية للحضارة المصرية القديمة، بكل عبقريتها وجبروتها. وهذه بعض ملامح من الفرص الفعلية المُتاحة من انضمام مصر إلى هذا التجمُّع.
ومن الإيجابيات المُساعدة في هذا السياق، أو الفرص المواتية بالانضمام إلى هذه المنظومة، أن التبادُلات داخل إطارها ستتم إدارتها عبر التعامل بالعُملات المحليّة، وبما يُحرر بلدان العالم المُنضمة للـ"بريكس" في إطاره الأوسع، من "عبودية الدولار"، في حدود معقولة، تتيح لها هامشًا من حرية الحركة، يُساعدها على مقاومة القبضة الغربية العاصرة، وأتباعها وأشياعها!

لكن هذه الفرصة، وغيرها، ككل فرصة، تأتي لمن يستحقها، وتؤتي أُكلها لمن يملك الكفاءة ويحوز مقومات الاستفادة منها، ويبذل الجهد الوافر لكي يكون أهلًا لها، ويتواجد في الموقف الصحيح للتعامل معها حين تأتي.. تمامًا مثل الشخص الذي يريد الارتحال من بلده إلى دولة أخري، فإذا لم يحصل على "الفيزة" من سفارتها، ولم يشتر بطاقة السفر من شركة الطيران، وإذا لم يتواجد بالمطار في الوقت المُحدد، ومعه أمتعته، وإذا لم يمر بكل الخطوات المُقرَّة حتى يصل إلى كرسيه في الطائرة، ويجلس عليه في الوقت المناسب، فلن يتمكن من بلوغ غرضه، وساعتها فهو الملوم.

فإذا ما أردنا أن نطرح السؤال الصحيح في هذه اللحظة، فليكن: ماذا جهَّزنا لكي ندفع به إلى قطار "البريكس" المُنطلق، من عتاد: (خطط، مشروعات، برامج، إنتاج، ابتكارات، ... إلخ)، لكي يكون وسيلتنا لاقتحام هذه الفرصة المواتية، وإثبات الجدارة؟، وعلى سبيل المثال، ففي أوائل شهر فبراير عام 2020، أعلن "طارق عامر"، رئيس "البنك المركزي" آنذاك، أنه بعد مُراجعة ملف المصانع المُتعثرة على مدى ستة أشهر، تبين أن عددها يبلغ 5184 مصنعًا، وأنه سيوجه البنوك بإعفائها من الفوائد المُتراكمة بالكامل، ومقدارها 31 مليار جنيه، من أجل دفع عجلة الإنتاج في هذه المصانع.

وقد تفاءلنا خيرًا؛ فدوران عجلة الإنتاج في هذا العدد الهائل من المصانع وحده، لو كان قد تحقق، لكان أغنانا عن الكثير من أعباء البحث عن قروض تثقل الكاهل، بل وسيكون مصدرًا مُحترمًا لدخل لا ينقطع للبلد والعاملين، فما الذي حدث؟، ولمَ ظلت عجلة دوران هذا العدد الضخم من المصانع صامتة تنعي زمانها وما فعلناه بها؟!

والخلاصة: فلنبحث عن مداخل صحيحة للاستفادة المُستدامة من هذا المحفل الكبير، ولنأخذـ بجهدنا، وإبداعناـ ما هو أكثر و"أبرك" عشرات المرات من بضعة مليارات جديدة، نتلقاها قرضًا قد يُسعدنا اليوم، لكنه- حتمًا- سيُتعسنا غدًا!
......................
*الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري.