رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيطاليا تغادر طريق الحرير!

قبل فوز حزبها فى انتخابات سبتمبر الماضى، وصفت جورجيا ميلونى، رئيسة الوزراء الإيطالية، انضمام بلادها إلى «مبادرة الحزام والطريق» الصينية بـ«الخطأ الكبير». وأمس الأول السبت، قال وزير خارجيتها، أنطونيو تاجانى، عشية زيارته للعاصمة الصينية بكين، إن المبادرة لم تحقق الفوائد المتوقعة لثالث اقتصاد فى منطقة اليورو، كما سبق أن نقلت جريدة «كورييرى ديلا سيرا» الإيطالية، الشهر الماضى، عن جويدو كروسيتو، وزير الدفاع، أن قرار الانضمام إلى المبادرة كان عملًا شنيعًا وارتجاليًا!.

مبادرة «الحزام والطريق» أو «طريق الحرير الجديدة»، التى أطلقها الرئيس الصينى شى جين بينج، سنة ٢٠١٣، تهدف إلى ربط الصين، بحرًا وبرًا، بجنوب شرق ووسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا، من خلال تطوير شبكة طرق وموانئ وسكك حديدية ومطارات وتجمعات صناعية. وسنة ٢٠١٩ أصبحت إيطاليا الدولة الوحيدة، العضو فى مجموعة السبع، التى تنضم إلى هذه المبادرة، بموجب اتفاق «غير ملزم» جرى توقيعه، فى مارس ٢٠١٩، خلال زيارة الرئيس الصينى للعاصمة الإيطالية روما، ومن المفترض أن يتجدد تلقائيًا، فى مارس المقبل، ما لم تبلغ إيطاليا الصين برغبتها فى الانسحاب قبل ثلاثة أشهر.

وقتها، وقت توقيع الاتفاق، حذّر ماتيو سالفينى، رئيس حزب الرابطة اليمينى، الذى كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للداخلية، من خطورة هذه الخطوة على الأمن القومى، وقال إنه لا يريد أن يرى الشركات الأجنبية وهى «تستعمر» إيطاليا، فى حين رأى ميشيل جيراتشى، وزير التجارة والاستثمار، أن بلاده تقود أوروبا، هذه المرة، معربًا عن ثقته فى أن الدول الأوروبية المجاورة ستحذو حذوها وتنضم إلى المبادرة. وباستقالة هذه الحكومة، حكومة جوزيبى كونتى، قام ماريو دراجى، رئيس الوزراء التالى، بتجميد الاتفاق، مستخدمًا حق بلاده فى تعطيله بالقطاعات الاستراتيجية، لمنع أى استثمار «عالى المستوى» للشركات الصينية فى إيطاليا. 

بأصوات الغاضبين من غلاء المعيشة، والرافضين لإملاءات الاتحاد الأوروبى، والراغبين فى إعادة التفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية، قفزت نسبة حزب «فراتيلى ديتاليا»، أو «أخوة إيطاليا»، من ٤٪ فى انتخابات ٢٠١٨، إلى ٢٦٪ فى انتخابات سبتمبر الماضى، ليصبح الحزب الأول فى البلاد، ولتكون رئيسته، جورجيا ميلونى، أول امرأة تترأس الحكومة الإيطالية. وفى خطاب مقتضب، قالت إن الناخبين الإيطاليين منحوا تفويضًا واضحًا لليمين لتشكيل الحكومة، ودعت الجميع إلى الوحدة، لتجاوز المشاكل العديدة التى تواجهها البلاد.

ربما لأن بعض هذه المشاكل، العديدة، كان ناتجًا عن وقوع روما فى شرك التوترات المتصاعدة بين واشنطن وبكين، قرّرت «ميلونى» تعزيز علاقات بلادها مع الولايات المتحدة، التى قيل إنها مارست ضغوطًا قوية على روما لاتخاذ موقف علنى بشأن الانسحاب من «مبادرة الحزام والطريق». وبعد تسريبات، وتصريحات، واضحة أو ضمنية، لوزراء فى حكومتها، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، خلال زيارتها لواشنطن، أواخر يوليو الماضى، إنها ستتخذ قرارها بشأن الاتفاق «غير الملزم»، قبل نهاية العام الجارى، مضيفة أن هذا الأمر يحتاج إلى مناقشات مع الحكومة الصينية، وتحت قبة البرلمان الإيطالى!.

فى هذا السياق، زار وزير الخارجية الإيطالى بكين، أمس الأحد، تمهيدًا لزيارة رئيسة الوزراء، المقرر إجراؤها، فى أكتوبر المقبل، والمتوقع أن تعلن خلالها عن انسحاب إيطاليا من المبادرة. وقيل إن الصين وافقت على هذا الانسحاب «من حيث المبدأ»، وإن رئيسة الوزراء قررت الإعلان عنه خلال زيارتها لبكين، حرصًا على العلاقات بين البلدين، وإن كان «تاجانى» قد ترك الباب مواربًا، وأشار، هو الآخر، إلى أن البرلمان الإيطالى «سيتعين عليه إجراء تقييم واتخاذ قرار بشأن تجديد، أو عدم تجديد، مشاركتنا فى هذه المبادرة»!.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الصين تستعد لعقد المنتدى الثالث لـ«مبادرة الحزام والطريق» فى أكتوبر المقبل. ومنذ أيام قال وانج ون بين، المتحدث باسم الخارجية الصينية، إن المنتدى، الذى يتزامن مع الذكرى العاشرة لإطلاق المبادرة، سيكون «منصة مهمة لبحث وتطوير التعاون عالى المستوى»، لافتًا إلى أن بلاده تتواصل مع جميع الأطراف بشأن الاستعدادات، وستعلن عن المعلومات ذات الصلة فى الوقت المناسب.