رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. جلال السعيد: رفعنا نصف مليون طن مخلفات من شوارع القاهرة بعد فض اعتصام «رابعة»

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز وجلال السعيد

- الإخوان حوّلوا مدارس المنطقة المحيطة إلى مطابخ ومسالخ مواشى وأحاطوها بدورات المياه

- لولا عملية الفض لوصلنا لمرحلة التفاوض مع الجماعة باعتبارها «دولة داخل الدولة»

- رأيت آثار الرصاص الذى أطلقه المعتصمون على مكتب رئيس الشئون المالية بالقوات المسلحة

- الشهيد هشام بركات تعرض لمحاولة اغتيال قبل تفجير موكبه بـ3 أشهر

استكمل الدكتور جلال السعيد شهادته عن جماعة «الإخوان» الإرهابية، وما حدث منها أثناء وبعد فض اعتصام «رابعة»، وذلك بحكم اطلاعه على هذه الأحداث كلها، من موقعه كمحافظ للعاصمة آنذاك.

وقال «السعيد»، خلال حواره لبرنامج «الشاهد» مع الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، الذى تنشر «الدستور» حلقته الثانية فى السطور التالية، إن «الإخوان» حوّلوا ميدان «رابعة» إلى ما يشبه «ساحة معركة».

وشدد وزير النقل الأسبق على أن قرار فض اعتصام «رابعة» كان صائبًا جدًا، مشيرًا إلى أنه كان يرى أن الاعتصام عصيان مدنى واضح وصريح، ونوع من التصدى لسلطة الدولة فى جزء من أراضيها.

■ كيف تعاملت جماعة «الإخوان» مع الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء؟

- الدكتور كمال الجنزورى كُلف برئاسة الحكومة فى أواخر نوفمبر ٢٠١١، وحلفنا اليمين يوم ٧ ديسمبر التالى، وكنت أول مسئول ممن عملوا مع حسنى مبارك يعود إلى السلطة مرة أخرى.

تشرفت بالتعامل مع الدكتور «الجنزورى»، ودخلت الحكومة بمكالمة منه، قال لى فيها: «أنا كمال الجنزورى.. تحب تكون معانا فى الحكومة ضمن كتيبة فدائيين لإنقاذ مصر؟»، وافقت على الفور دون أى تردد، وحلفنا اليمين أمام المشير طنطاوى.

كانت هناك «غضبة» ما بين جماعة «الإخوان» والدكتور كمال الجنزورى، والسبب هو رغبة الجماعة فى أن يكون رئيس الوزراء منها، أعتقد أن هذه نقطة الخلاف.

وقتها كان يُقال إن «الإخوان» لن تترشح لرئاسة الجمهورية، لذا منصب رئيس مجلس الوزراء كان مهمًا جدًا بالنسبة للجماعة، وبالتالى لم يكن غريبًا أن يدور معظم النقاشات وقتها حول سحب الثقة من الحكومة.

وفى ظل أن «الإعلان الدستورى» لم يكن يسمح بسحب الثقة من الحكومة، أرادت الجماعة أن «تزهق» الدكتور كمال الجنزورى حتى يرحل عن منصبه، لكنه قال بتحد: «لن أرحل إلا باستفتاء شعبى طالما أن الإعلان الدستورى لا يسمح بذلك».

■ ما الذى حدث بين الدكتور كمال الجنزورى وسعد الكتاتنى؟

- الدكتور كمال الجنزورى خلال نقاش عابر وودى جدًا، قال إن هناك حكم محكمة صدر بالفعل لحل البرلمان، ووقتها تم تناول الموضوع بحساسية شديدة جدًا، وأصبح الهدف هو إسقاط حكومة «الجنزورى» وسحب الثقة منها، وهو ما ظهر فى رفض البرلمان بيان الحكومة، معتبرين أنه «غير كافٍ ولا يدل على خبرة سياسية».

وقعت بعد ذلك «واقعة بورسعيد»، وحدث تجاوز بالكلام من بعض نواب «الإخوان» بشكل غير مقبول تمامًا، لكن الحكومة كانت تحظى بدعم كبير جدًا من المشير طنطاوى والمجلس العسكرى.

والدكتور كمال الجنزورى تحمل أشياء كثيرة جدًا حتى نقل السلطة إلى الرئيس المنتخب، وقاد الحكومة لإجراء انتخابات نزيهة دون أى تدخل أو توجيهات، بينما مارس «الإخوان» نوعًا من العنف والإرهاب السياسى ضده وضد حكومته، لذا أوجه التحية له على أعصابه الحديدية التى كان يتعامل بها مع كل القضايا.

■ هل تتذكر أى مواقف أخرى للدكتور كمال الجنزورى؟

- أتذكر أننا كنا نفتتح المرحلة الأولى من الخط الثالث لمترو الأنفاق، وقلت وقتها للدكتور كمال الجنزورى إن هذا الحدث ضخم ويخدم الناس، ومن الممكن أن يحضر رئيس المجلس العسكرى، وعرضنا الأمر بالفعل على المشير طنطاوى، لكن الأخير فضّل أن يحضر رئيس مجلس الوزراء لافتتاح المشروع.

وبعد أن أنهينا كل الترتيبات اللوجستية، تم إبلاغى بعدم حضور رئيس مجلس الوزراء لاعتبارات أمنية، فتحدثت معه من أجل إقناعه بالحضور، كان ذلك فى فبراير ٢٠١٢، تحديدًا «يوم الطالب العالمى»، وكانت هناك مخاوف من إمكانية أن يستغل طلاب «الإخوان» هذه المناسبة ويخرجوا لإحداث فوضى وشغب.

كان التخوف تحديدًا من إمكانية أن يحبسنا هؤلاء الطلاب فى النفق تحت الأرض حتى لا نخرج، وحاولت مع الدكتور كمال الجنزورى وشجعته على الحضور، لكن المعلومة وصلته، فاتخذ القرار بمنتهى الهدوء، ولم يظهر أى انفعال.

وخلال الافتتاح كان هناك شخص يتحدث ويقول: «تمام يا فندم»، وبعد الانتهاء من الاحتفالية ذهبت إلى الدكتور كمال الجنزورى فى مجلس الوزراء، وكان قلقًا جدًا، لأن حجم التهديد كان يبدو كبيرًا جدًا.

■ ماذا حدث يوم فض اعتصام «رابعة» فى ١٤ أغسطس؟

- لم أكن أعلم أن فض اعتصام «رابعة» فى هذا اليوم، لكن ذهبت مبكرًا إلى مبنى محافظة القاهرة فى السادسة صباحًا، وبعدها بنحو ٣ ساعات بدأت تنتشر أخبار فض الاعتصام، وكنت أتابعها من المكتب.

اعتصام رابعة العدوية خلّف حوالى ٥ آلاف طن من المخلفات فى محيط الميدان، الذى ذهبت إليه فى اليوم التالى، وكان أشبه بـ«أرض معركة»، فى ظل وجود متاريس وحجارة وحديد.

الدخان كان يتصاعد من كل الجوانب، ومسجد «رابعة» كان مشتعلًا، ورأيت مجموعة مدارس فى محيط الميدان تحولت إلى مطابخ وأماكن لذبح المواشى، ودورات مياه مبنية على أسوار هذه المدارس، ومستشفى ميدانيًا خلف المسجد، المنظر كان مرعبًا.

ذهبت إلى مكتب رئيس الشئون المالية فى القوات المسلحة آنذاك، اللواء محمد أمين، الذى كان مكتبه يطل على ميدان «رابعة»، ورأيت الرصاص الذى أُطلق على مكتبه من داخل الاعتصام، وأدى إلى استشهاد عدد من الضباط.

■ هل لفت انتباهك شىء آخر عندما ذهبت إلى ميدان رابعة العدوية؟

- على مدار ٤٥ يومًا من الاعتصام وأنا أقول: «هذا عصيان مدنى واضح وصريح ونوع من التصدى لسلطة الدولة فى جزء من أراضى الدولة»، لذا قرار فضه كان صائبًا جدًا.

كانت هناك نقاشات كثيرة جدًا حول فض اعتصام «رابعة»، متى؟ وكيف؟ وماذا عن مبرر حرية الرأى؟، واستغرق ذلك وقتًا طويلًا إلى أن تم اتخاذ القرار، والذى كان صحيحًا جدًا، وإلا كنا سنفاجأ بالتفاوض مع «الإخوان» باعتبارهم «دولة داخل الدولة».

■ كيف تم رفع مخلفات اعتصام «رابعة»؟

- بعد فض اعتصام «رابعة»، القاهرة كلها كانت فى حالة صعبة، لدرجة رفع نصف مليون طن مخلفات من شوارعها، لأن كلها كان محتلًا من الباعة الجائلين بترتيبات عرفتها بعد ذلك، وكانت الجدران مليئة بعبارات مسيئة للجيش بخطوط سوداء، كما أن جميع أعمدة الإنارة والأرصفة كانت محطمة، لذا بُذل مجهود ضخم لإعادة إحياء القاهرة من جديد، والبداية كانت من «رابعة».

بعد حادث الشهيد محمد مبروك، طالب أحمد رجب، فى مقاله بصحيفة «الأخبار»، بتغيير اسم ميدان «رابعة» إلى اسم الشهيد محمد مبروك، وتواصلت معه وأخبرته بأن هذا يتطلب عدة إجراءات، وكنت أتفق معه ١٠٠٪ فى هذا الأمر.

■ كيف تعاملتم مع عنف «الإخوان» فى الشوارع خلال الفترة من ٢٠١٣ إلى ٢٠١٦؟

- التعامل مع أحداث العنف فى الشوارع كان مسئولية وزارة الداخلية، أما دور محافظة القاهرة فكان عمليات التأمين، وأن يكون فى المبانى أشخاص مسئولون عنها طوال الـ٢٤ ساعة، بالتزامن مع وجود غرف عمليات للمتابعة، أيضًا على مدار الساعة.

القاهرة ليست من المحافظات التى حدثت فيها أعمال عنف كبيرة، فبعد فض اعتصام «رابعة» تم الاعتداء على المبانى والكنائس فى بعض المحافظات الأخرى، وبعدها أرسلت وزارة الداخلية فرقة من القوات الخاصة لتأمين مبنى المحافظة بالكامل، وكانت معهم قناصة، لأننى كنت أشعر بأنها مستهدفة.

■ وماذا عن تفجير مديرية أمن القاهرة؟

- فى أول ذكرى لثورة ٣٠ يونيو، كانت هناك توقعات بحدوث شىء ما من قبل «الإخوان»، وهو ما حدث بتفجير مديرية أمن القاهرة، ففى السابعة من صباح يوم الجمعة ٢٤ يناير، استيقظنا على صوت انفجار قوى، سمعته القاهرة كلها، وشخصيًا سمعته على بعد ١٠ كم من موقعه، وكنت أول مسئول يصل إلى هناك.

مبنى المديرية كان مدمرًا بالكامل، لذا استغرقت إعادة ترميمه بعد ذلك العامين، وكان يوجد من ٧٠ إلى ٨٠ مصابًا، كما تضرر المتحف الإسلامى بصورة أقل، لأن المستهدف كان مديرية الأمن.

كما وقع انفجار آخر عند سور قصر «الاتحادية»، باستخدام قنابل موقوتة كانت موجودة فى هذه المنطقة، وأثناء التعامل معها استُشهد ضابطا شرطة، إلى جانب اللواء علاء عبدالظاهر.

وأصيب عقيد شاب وقطعت يداه فى هذا الحادث، ومع ذلك وجدت لديه حالة من الرضا عندما زرته فى المستشفى، وكان يتمنى أن يظل فى عمله خادمًا لبلده، حتى بعد فقده يديه، وكان يرى أن هذا الأمر صغير أمام استشهاد زملائه.

وحضرت جنازة معظم شهداء «الداخلية»، وكنت أرى أن الله ربط على قلوب أهاليهم، وأرى فى عيون زملائهم رغبة فى الانتقام من قتلتهم، وابنى ضابط شرطة، وعندما كنت أحضر الجنازات «قلبى يوجعنى»، خاصة عندما أرى شهيدًا «وحيد أبويه».

وأتذكر قصة الضابطين «ماجد» و«ماجد»، اللذين رحلا خلال أدائهما إحدى المهام، وكانا من الأشغال العسكرية، أحدهما عميد والثانى عقيد، وكانا يساعدان فى إزالة العمارات المخالفة خلف المحكمة الدستورية بحكم خبرتهما فى المتفجرات.

أصبحنا أصدقاء بحكم رؤيتهما كل يوم، وفى أحد الأيام قالا إنهما لن يأتيا فى الغد، لأن لديهما مأمورية فى «عرب شركس»، حيث تقع وقائع سرقة سيارات، لأفاجأ بعدها باستشهادهما فى عملية غادرة.

المدهش أن زملاءهما الذين كانوا يعملون تحت إشرافهما ذهبوا للعمل فى اليوم التالى كما لو كان الأمر عاديًا، كانوا غاضبين لكنهم ينفذون مهام عملهم.

وماجد إبراهيم تحديدًا عندما توفى، كل الناس فى عمارته ومنطقته ذهبوا إلى العزاء، لأنه محبوب فى المنطقة، كما أسهم فى إنقاذ حياة العديد من الأهالى، لذا الدولة كرّمت زوجته وأعطتها سكنًا آخر.

■ ما شهادتك بشأن حادثة اغتيال الشهيد هشام بركات النائب العام الأسبق؟ 

- الشهيد هشام بركات لم أكن أعرفه قبل توليه منصب النائب العام، عندما كنت أتولى محافظ القاهرة، لكننى شاهدته مرتين قبل هذه الواقعة، أثناء احتفال الرئيس بـ«يوم القضاء» فى دار القضاء العالى، والمرة الثانية بعد انفجار أسفل مبنى دار القضاء العالى فى مارس ٢٠١٥، وهو الذى كان مستهدفًا به.

ذهبت بحكم وظيفتى إلى موقع الانفجار، لكن لم ألتقِ به هناك، واعتقدت أنه غادر المبنى، لكنه كان موجودًا فيه، رغم وقوع انفجار كان يستهدفه شخصيًا. وعقب مغادرتى تلقيت اتصالًا هاتفيًا منه، وقال لى: «يعنى تزور مكان الانفجار ومتطمنش عليا؟!»، فقلت له: «لقد تخيلت أنك غادرت المبنى»، فأكد لى أنه لم يغادر، وطلب منى أن أزوره لشرب القهوة سويًا، وبالفعل ذهبت فى اليوم التالى، وكان شخصية عظيمة على المستوى الشخصى وودودًا، وأصبحنا صديقين ونتصل ببعضنا البعض أسبوعيًا.

والمستشار هشام بركات كان مستهدفًا منذ البداية، ويوم اغتياله كنت فى جولة بحلوان، وعندما ذهبت إلى موقع الحادث، كان أشبه بمسرح «معركة حربية»، فى ظل وجود العديد من السيارات المحترقة.

وقيل لى إن الحادث من ضخامته، طار النائب من السيارة إلى الرصيف، وتم نقله إلى مستشفى النزهة، حيث توفى بعدها بساعة، وهذا نمط سلوكى مكرر من جماعة «الإخوان»، كما حدث فى قتل «النقراشى» و«الخازندار»، ثم تكرر مع الشهيد هشام بركات، الذى كان خبر وفاته صادمًا لى ولكل من عرفوه.

■ وماذا عن تحويل اسم ميدان «رابعة» إلى ميدان «الشهيد هشام بركات»؟

- تحويل اسم ميدان «رابعة» إلى ميدان «الشهيد هشام بركات» جاء بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وتم تنفيذه على الفور، ورغم أنه كانت هناك لجنة فى محافظة القاهرة مسئولة عن تسمية الميادين والشوارع العامة، والأمر ليس سلطة منفردة للمحافظ، لكن كان لدىّ نهج، أن من فقد حياته فى سبيل الوطن لا يحتاج أن يُثبت بأى طريقة حاجته إلى تكريم.

لذا كنت أكلف هذه اللجنة بكتابة اسم الشهيد على الشارع فى أوله وفى آخره، وأصنع نسخة إضافية، ثم أطلب أهل الشهيد وأقدمها لهم، وأصور الشارع وأعطيهم الصور، حتى يشعروا بأن الدولة لم تنس تضحية ابنهم، وقد فعلت ذلك مع أسرة الشهيد هشام بركات.

■ما تلخيص رؤيتك بشأن نهج الجماعة الإرهابية فى العنف؟

- أثناء محاكمة سيد قطب عام ١٩٦٥، كانت جماعة «الإخوان» تصدر «المظلومية» للشباب، وهذا هو الوتر الذى تعزف عليه لاستعطاف الشباب وجذبهم للانضمام إليها، أو من أجل الضغط للإفراج عن سيد قطب.

لكن عندما نضج هذا الجيل قال: «يا ريت تم استئصال هذه الجذور آنذاك حتى لا تنتج أعضاء أخرى»، لأن من تبقى من قادة الجماعة وقتها هم من أوصلونا إلى ما نحن فيه من عنف وإرهاب.

ولذلك فإن التخلص من جذور التنظيمات الإرهابية التكفيرية هو أهم هدف علينا العمل عليه والوصول إليه، كما أننى أُحيى الدولة على تعاملها المنضبط والحاسم فى مواجهة الجماعات التكفيرية.