رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسار آل البيت.. مشروع قومى بامتياز

كنا نمشي في حواري الأزهر والدرب الأحمر والسيدة عائشة وغيرها، نخبط جباهنا بأكفنا ويقول واحد منا للآخر "معقول كل كنوز العمارة دي مهملة بالشكل ده".. ثم نشرب الشاي على مقهى شعبي وننسى حسرتنا ونغادر، سنوات تنقضي ونعاود ذات الرحلة بذات الكلام ولا يتغير شيء.

لذلك عندما فوجئت بالتطوير الذي طال مسجد السيدة نفيسة كنت فرحا، وكأن هناك من كان يستمع لمخاوفي وأصر على تبديدها، ثروة مصر المعمارية للمصريين، وها هو مشروع قومي عملاق تتحدد ملامحه في هدوء ودون صخب.. إنه مشروع مسار آل البيت الذي يضرب عشرة عصافير بحجر واحد.

لو تم حساب المشروع بحسابات تطوير العشوائيات سوف يكفي، ولكن ليس هذا فقط، لأن الكنوز المعمارية التاريخية ذات البعد الديني لها جمهور عريض في أركان الدنيا الأربعة، ومن حق هذا الجمهور زيارة ما يحبه القلب، وليس هناك أرق من قلب متشوق لتاريخه الديني وعمقه الروحي، وهنا يدخل الاقتصاد والتخطيط والسياحة على الخط، هل نحن كدولة وشعب لدينا الاستعداد الكافي لاستيعاب مئات الآلاف من الضيوف الراغبين في زيارة مسار آل البيت؟

الإجابة عن هذا السؤال ليست بالبساطة التي يفرضها التفاؤل الواجب، لأن المسئولية كبيرة، تبدأ من تعديل السلوك الثقافي لكل العاملين في المجال السياحي بمصر؛ ابتداء من متسولي المطار والجملة الركيكة "حمد الله على السلامة يا بيه"، وصولا إلى خدمة فندقية متعددة المستويات مع وسائل انتقال آدمية وآمنة لا يعترضها تحرش ولا يداهمها لصوص صغار.

مشروع مسار آل البيت السياحي يمكن له أن يكون منجمًا من ذهب يعطي السياحة المصرية زخما جديدا بفضل تنوع المزارات وفرادتها وتميزها.

الهدف الكبير الذي يسعى إليه المنشغلون بهذا المشروع هو تحويل مناطق المسار إلى متاحف مفتوحة، تلك اللمسة السحرية سوف تتجاوز الأحلام، ولأن أول الغيث قطرة، فقد شهدنا بأعيننا التغيير الكبير الذي طال سور مجرى العيون، وها هو مسجد السيدة نفيسة يدخل الخدمة وهو في أزهى صورة.

الخطة حسبما قرأنا عنها في مسار آل البيت، هي الربط بين مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة عائشة، ومن هذا المسار تفريعات تؤدي إلى باقي مزارات آل البيت المتشعبة على الجانبين، وبحسابات الجغرافيا نلاحظ اتساع البقعة الجغرافية المستهدف العمل عليها؛ لذلك أكرر وأعيد وأزيد عن ضرورة توفير فنادق صغيرة ومتوسطة بكثافة تغطي كامل تلك المساحة، مع مراقبة صارمة على جودة هذه الفنادق، فهي تبقى في ذاكرة السائح باعتبارها ملاذه في رحلته.

البداية مبشرة وخطواتها واثقة من نفسها ومرجع تلك البشائر هو أننا نثق كل الثقة بأن القيادة السياسية في مصر لا تسمح إلا بالعمل المتكامل، وكانت مشاركة الرئيس السيسي مع سلطان البهرة في افتتاح مسجد السيدة نفيسة دليلا على الجدية التي كنا افتقدناها في السنوات الرخوة.

وها هو مسجد السيدة نفيسة وقد شهد تجديدا بتطوير مقصورة المسجد والضريح وكذلك المنطقة المحيطة، مع رفع كفاءة الميدان وجميع الشوارع المحيطة بالمسجد والمؤدية إليه.

كما اهتم القائمون على أعمال التطوير بتحسين صورة الهوية البصرية بزيادة المسطحات الخضراء وكذلك رصف الأرضيات بالبازلت، وتطوير ورفع كفاءة الإنارة، وترميم ودهان واجهات العقارات، مع رفع كفاءة وتطوير الشوارع الرئيسية، ومد خطوط الصرف الصحي.

لن تتوقف أحلامنا بمصر التي نريدها.. منارة الدنيا، بلد الضيافة اللائقة بالغريب والحنونة على أبنائها، مشروع مسار آل البيت يمكن له تحقيق هذه المعادلة الصعبة، ضيوف من كل الدنيا وفرص عمل للمجتهدين من أبنائها ولا مكان في هذا المسار المتكامل لسلطة سايس السيارات أو الشحاذة الممنهجة من أنطاع قادرين على هدم عشرات الخطط الطموحة.