رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذكاء الاصطناعي


• "هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن ......؟"
- لا يستطيع
• إنت سمعت بقية السؤال؟
- مش محتاج يا ابن عمي أسمعه، سمعت كفاية
أصل حضرتك لما تحط الذكاء الاصطناعي في موقع الفاعل (ومش على سبيل المجاز) فـ كدا كفاية  أوي علشان أجاوبك بـ النفي، الذكاء الاصطناعي هو أداة، يجوز أداة متطورة، يجوز أداة تختصر عمل عدد من الأدوات في أداة واحدة جامعة كلية، يجوز أداة معقدة، لكنها في النهاية أداة مرهونة بـ قرار إنسان ما، أو مجموعة بشر.
يمكن لو عدلنا السؤال وخليناه: "هل يستطيع الإنسان بـ استخدام الذكاء الاصطناعي أن ....؟" هنا ممكن أسمعك وناخد وندي، ونقول ونعيد، إنما الأدوات لا يمكن أن تسند لها الاستطاعة من عدمها، لا يمكن.
الإنسان الأول عرف الأدوات البسيطة: الحجارة، العضم، التراب، .... إلخ إلخ، والدنيا مشيت عبر مئات الآلاف من السنين، وعلاقته بـ الأدوات دي اتطورت كتير، واتعقدت كتير، وبقى الإنسان عنده القدرة على إنه يوجه أداة واحدة، فـ هي تحرك أدوات كتير لـ فعل ما، لكن العلاقة الأساسية ما اتغيرتش.
الأداة البسيطة اللي هي الحجر، لو قعدت مكانها مليار سنة، مش هـ تتحرك من مكانها، وتضرب أو تحفر على جدار كهف أو ترسم أو أو أو، مش هـ تتحرك إلا لما إنسان يلتفطها من الأرض ويوجهها.
لو تخيلنا مثلا مصنع، إنت بـ تدوس على زرار واحد بسيط، فـ منظومة كاملة من الماكينات تتحرك بـ شكل آلي، تقطع وتطحن وتعمل وتسوي من غير أي تدخل، لـ حد ما تطلع لك منتج مترتب ومتساوي ومنتظم بـ شكل ما يقدرش يعمله الإنسان. لو مفيش دوسة الزرار الأول دا، ولا أي حاجة من دي هـ تتحرك من مكانها ملليمتر واحد.
خليني أقول لـ حضرتك تجربة عملية، كان فيه مجموعة من جامعة أوروبية في مصر، استعانوا بي في مشروع إنهم يخلوا الذكاء الاصطناعي يكتب شعر، وفي بداية التجربة سألوني: هل تظن إنه الذكاء الاصطناعي قادر على كتابة الشعر؟ ممكن التجربة تنجح يعني؟
قلت لهم: قولا واحد هو قادر تماما، وقولا واحدا هو غير قادر بـ المرة. إزاي؟
الشعر دا له جوانب أهمها: جانب إبداعي، يتعلق بـ "المشاعر" نفسها أو حتى "الأفكار" الملتبسة بـ المشاعر والمختلطة بيها، من حيث اكتشافها والغوص في العلاقات بينها وإلخ إلخ، وفيه جانب آخر تنظيمي يتعلق بـ استخدام المفردات وصناعة المجازات وخلق الإيقاع سواء بـ وزن وقافية واضحين أو إيقاع خاص زي قصيدة النثر.
الذكاء الاصطناعي ممكن تغذيه بـ عدد لا نهائي من الكلمات، وبـ طرق تنظيمها في جمل، وطريقة صناعة الإيقاع من أوزان وقوافي وخلافه، وكذلك عدد لا نهائي من مشاعر الإنسان وأفكاره، وأبحاث ودراسات في علم النفس والفيزيا، فـ هو ينظم دا في صورة قصائد منضبطة يمكن كمان أحسن من شعراء مشهورين، فـ من هذه الناحية التجربة هـ تنجح.
لكنه غير قادر مطلقا على كتابة سطر زي اللي قاله الأبنودي مثلا: "وأداري في المديح خوفي"، لـ إنه مستحيل يقدر ينتبه لـ علاقة المديح بـ الخوف، وإنه المجاملة ممكن تكون ما تكونش علامة محبة أو حتى بحث عن مصلحة إنما تعبير عن تخوف الإنسان من أخيه الإنسان فـ يتقي شره بـ إنه يقول له كلام جميل بـ حقه.
بـ اختصار، الذكاء الاصطناعي لا يمتلك إرادة مستقلة، لـ إنه لا يمتلك وعيا مستقلا، لـ إنه إحنا حتى ما نقدرش نعرف الوعي البشري بـ شكل جامع مانع، إنما وعي هو تجربة خاصة تختزن بـ صورة لا نعرفها، كافة تجارب الكائنات الحية منذ الخلية الأولى وحتى الآن، الوعي دا هو اللي بـ يخليه "صاحب قرار"، وحتى الحيوانات مش بـ إمكانها إنها تكون صاحبة قرار على نفس الدرة مع إنها تمتلك وعيا ما.
لـ ذلك، مش ممكن خالص الذكاء الاصطناعي يعمل حاجة من تلقاء نفسه، إنما هو أشبه بـ عربية ذاتية القيادة، إنت شايفها ماشية لـ وحدها كدا من غير ما حد يسوقها أو يتدخل فيها، لكن عند نقطة انطلاقها، لو مفيش بشر شغلها، ولو قعدت مليار سنة، هـ تفضل مكانها، بت الظبط زي الحجرة اللي استخدمها الإنسان الأول قبل مئات الآلاف من السنين.