رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفيق خوري يكتب: الانفتاح العربى على سوريا

رفيق خوري
رفيق خوري

حرب سوريا بدأت بشىء، ووصلت إلى شىء آخر، ولا أحد يعرف بماذا وإلى ماذا ومتى تنتهى. وفى كل مرحلة أدوار ثابتة، وأخرى متغيرة. قوة المعارضين العابرين للطوائف المطالبين بنظام ديمقراطى تلاشت حين تحولت الثورة حربًا. قوة التيارات التى تمثل الإسلام السياسى سيطرت على الساحة عبر «الإخوان المسلمين» و«القاعدة»، ثم «داعش» قبل أن تتلقى ضربات قوية وتضعف. النظام الذى أوشك على «السقوط خلال أسبوعين» باعتراف وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، حافظ على نفسه بدعم إيرانى وروسى، ولكن فى بلد تتقاسم الأرض والنفوذ فيه «خمسة جيوش أجنبية»، كما قال الموفد الدولى، جير بيدرسون، أمام مجلس الأمن. الدور الإيرانى تنامى. الدور الروسى تعاظم. الدور الأمريكى ضعف. الدور التركى لعب على أكثر من مسرح. الدور العربى غاب تقريبًا. ودور الأمم المتحدة صار مجرد دور شكلى.

وكما فى حسابات المقاطعة العربية للنظام وتعليق عضوية سوريا فى الجامعة العربية، كذلك فى حسابات الانفتاح العربى اليوم على دمشق. سجالات ورهانات عدة. منطق المقاطعة كان الرهان على تغيير النظام، لكن النتيجة حماية طهران للنظام ومد نفوذها العسكرى والسياسى والاقتصادى والثقافى فى دمشق وسواها. وحين عجزت إيران عن وقف الهجوم على دمشق استنجدت بموسكو، فقرر الرئيس فلاديمير بوتين التدخل عسكريًا للحفاظ على النظام. ومنطق الانفتاح السياسى اليوم هو أن الاحتضان العربى لسوريا مسألة ملحة لوقف النفوذ الإيرانى، وضرورة لاستعادة الدور العربى لسوريا «قلب العروبة النابض». لا، بل إن مرحلة التراجع العربى كان سببها المهم فقدان المحور الأساسى للعمل العربى المشترك. وهذا المحور هو المثلث المصرى- السعودى- السورى الذى دقت الساعة لعودته.

أمريكا ترفض الانفتاح على دمشق، ولا تشجع أى دولة على الانفتاح. غير أن موقفها لم يحل دون الانفتاح العربى. وهى تربط تغيير موقفها بشروط أبرزها حدوث تسوية سياسية بين النظام والمعارضة تطبيقًا للقرار الدولى ٢٢٥٤، مما يمهد لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين. وفى أمريكا آراء مختلفة عبّر عنها أستاذ العلاقات الدولية فى «جامعة تكساس» جريجورى كوز فى مقال نشرته «فورين أفيرز». ومما جاء فيه، إن «على أمريكا التعامل مع الحكام الأقوياء فى المنطقة وإن كانوا أوتوقراطيين. سوريا تحت حكم نظام قوى تستطيع منع المنظمات الإرهابية من استخدام أراضيها، ومع الوقت تضع مسافة بينها وبين حماتها الإيرانيين والروس، وستكون أفضل من سوريا الحالية. والأفضل الاتصال بالرئيس الأسد لأن سوريا أيام الأسد الأب والأسد الابن أبقت الحدود هادئة مع إسرائيل، ومنعت المنظمات الإرهابية من استخدام أراضيها للتحضير لشن هجمات على الولايات المتحدة».

وبالطبع، فإن وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان ركز فى محادثاته مع رئيس النظام السورى بشار الأسد على أهمية التسوية السياسية وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار. والسؤال هو: هل هناك فرصة لتخفيف النفوذ الإيرانى المتنامى فى سوريا ولبنان والعراق عبر الانفتاح العربى والرهان على دور روسى؟ يروى جون بولتون الذى عمل مستشارًا للأمن القومى أيام الرئيس دونالد ترامب فى مذكراته تحت عنوان «الغرفة حيث حدث ذلك» قول بوتين له عشية قمة هلسنكى فى عام ٢٠١٨، «أبلغ ترامب أن الروس ليسوا فى حاجة إلى الإيرانيين فى سوريا، ولا مصلحة لروسيا فى وجودهم هناك». وفى مناسبة ثانية قال له: «الشىء الصحيح الذى يجب أن يفعله كل منا هو تحفيز الإيرانيين على المغادرة»، لكن موسكو اليوم فى حرب غير مباشرة مع أمريكا فى أوكرانيا. وهى تحتاج بشدة إلى إيران ومُسيراتها من نوع «شاهد» التى تقصف المدن الأوكرانية. والسؤال المتمم له هو: إلى أى حد يمكن استعادة المحور المصرى- السعودى- السورى لقيادة العالم العربى؟ الرهان هو على أن تقود الحسابات العربية الاستراتيجية والجيوسياسية إلى تجاوز ما فرقه «كامب ديفيد»، ثم حرب سوريا، بالتالى قيام محور عربى قوى أمام القوى الإقليمية التى تلعب على المسرح العربى. والعامل الجديد هو الاتفاق السعودى- الإيرانى فى بكين برعاية الصين وضمانها، والذى يحتاج تظهير مفاعيله إلى وقت.

نقلًا عن «إندبندنت عربية»