رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكم من أقوال سليمان الحكيم

تحت ثلاثة تضطرب الأرض وأربعة لا تستطيع احتمالها:
- أولًا: تحت عبد إذا ملك.. ثانيًا: أحمق إذا شبع خبزًا.. ثالثًا:- وشنيعة إذا تزوجت.. رابعا: أمة إذا ورثت سيدتها.
وقد ورد هذا التصنيف على لسان رجل اشتهر بالحكمة حتى اقترنت حكمته باسمه، فنقول سليمان الحكيم، ومع أنه ملك وكان ملكه متميزًا حتى عن ملك دَاوُدَ أبيه، إلا أنه بعد خبرة طويلة في ملكه وخبرة أكثر في زواجه حتى ذكر رقم لم يرد في تاريخ سابق أو لاحق للملك سليمان عن هذا الزواج، وبالطبع لم يكن زواج متعة بقدر ما كان ارتباطًا اقترن بحكمة هي أقرب إلى معاهدات سلام بين شعوب الأرض المحيطة بملك الحكيم سليمان، فبدلًا من اتفاقيات الصلح سريعة التغيّر كان زواج سليمان ارتباط عشائر وقبائل جمع بناتهم في علاقة زواج حتى يأمن شر عدوانهم أو غزوهم.  
هذا الحكيم خرج لنا بحكمة ربانية في أربع نوعيات من البشر، أو أربع صفات يحذر منها، اثنتان منها للرجال واثنتان للنساء، أما سمات الرجال فنسبة إلى العبد وإلى الرجل الأحمق، أي العبودية والجهل، والصفتان الأخرتان تختص بالمرأة الشنيعة إذا تزوجت، والأمة إذا ورثت سيدتها. 
ويضيف الحكيم في صيغة أخرى بالقول "قد رأيت عبيدًا على الخيل، ورؤساء ماشين على الأرض كالعبيد".. هذه هي شخصية رجل اشتهر بالحكمة حتى اقترنت شهرته باسمه، فلا نقول عادة سليمان ابن دَاوُدَ بل نقول سليمان الحكيم، وهو أحد ملوك إسرائيل وواحد من الأنبياء الثمانية والأربعين، وثالث ملوك بني إسرائيل قبل انقسام المملكة إلى مملكتين شمالًا وجنوبًا تحت اسم إسرائيل ويهوذا. 
عاش سليمان في الفترة بين عام ٩٧١ وحتى ٩٣١ قبل الميلاد، لهذا فالعدد متناقص حتى الوصول إلى التقويم الذي يعيشه العالم، فنقول عام ٢٠١٨ من ميلاد السيد المسيح، ومات سليمان عن عمر اثنتان وخمسين سنة، واشتهر بحكمته في قصة تنازع إمرأتين على طفلٍ رضيع تدّعي كل واحدة أنها أم الطفل (وهو طفلٌ حيّ)، وأراد سليمان بحكمته أن يقسم الطفل بالسيف لتنال كل واحدة من السيدتين نصف طفلٍ، وهنا صرخت الأم الحقيقية قائلة لا ياسيدي، دعها تأخذ الطفل حيًّا، وهنا حكم سليمان للسيدة أنها الأم الحقيقية وليست الأخرى التي لم تمانع اقتسام الطفل ولم يعنيها موته، فدفع الملك الحكيم سليمان الرضيع إلى أمه. 
وبعد حكمة ذلك الملك النبي سليمان لم يخلُ عصر أو مصر من هذه النماذج، وفي غالب الأوضاع والمواقع من حكماء كسليمان، ومن مدعين للحكمة والمعرفة، وهم أبعد ما يقال أنهم يدرون بما يفعلون ولو جلسوا على الكراسي العالية والعروش الذهبية، إلا أنهم لا يضارعون حكمة سليمان. 
ذكر سليمان عينتين من الرجال في صورة المركز والمال، الأول انتقل من بين جماعة العبيد ليتولى ملكًا، وغالبًا قصد بملكه على العبيد رفقاءه، فاستغل سلطته وسيفه على شركاء وأخوة له ناسيًا من هو، فبدأ يسيئ استخدام الكرسي والسيف ممثلًا في سلطتي القضاء وسلطة التنفيذ، فهو من يحكم وهو من ينفذ، حتى بدأ يضرب العبيد رفقاء وزملاء الامس، وقد لا يكون الضرب هو عمل جسماني فقط، بل هو إساءة إستخدام السلطة واحتماء بالمقعد الذي يجلس عليه وبالعزوة التي من حوله.
ناسيًا الأمس القريب وما قبل الأمس من رفقته لعبيد زملاء حتى تناول إهانتهم، وقد يكونون إخوة إن لم يكن في الجسد ففي زمالة العمل، ومن قبل الدراسة، ولكنه كعبد لم يمارس الحرية من قبل وفجأة وجد نفسه ممسكًا بالعصا فبدأ يضرب العبيد رفقاءه لأنه عاجز عن إدراك مكانته ورسالته، وفي ذات الوقت غير قادر على استخدام عصاه على غير الزملاء رفقاؤه من العبيد، فالإحرار لا يقبلونه، بل بإمكانهم أن يجردوه من مقعده الذي هو ليس له، فقد كان بالأمس لغيره، وما أدراه من سيجلس عليه من بعده، وفي الغالب الأعم لن يكون من بين العبيد. 
أما عن إضطراب الأرض الذي يتحدث عنه الحكيم فهذا ما لم يفهمه العبيد لضيق الأفق ومحدودية الفهم، فبينما يفكر العالم المتعلم في قضية اضطراب المناخ وضيق الأحوال التي تدفع الأفارقة للهجرة إلى أوروبا هربًا من الفقر والجوع قبل أن يدركوا سببًا آخر للهجرة وهو هجرة الأرض من موطنها الشمسي، كما يهاجر الأفارقة إلي أوروبا، تجد العلماء مهمومون بإضطراب المناخ حتى إنهم يقومون بإطلاق سفينة الفضاء ديسكفري وعلى متنها خمسة علماء ولديهم غذاء وماء يكفي يومين فقط لاستكشاف المجهول ولتواجه الأخطار في الفضاء البارد السحيق بحثًا عن الأجوبة.. وعلى الجانب الآخر نرى المهاجرين الفارقة الذين قذفتهم الأمواج، وهم على شفا الهلاك متجهين إلى الشواطئ الإسبانية الدافئة لا هربًا من المناخ، بل من الفقر والجوع.  

الملفت للنظر أن العالم الغربي وهو مهموم بالتغيرات البيئية ومقاومة الطبيعة ومواجهة غضبتها التي لا ترحم، حيث تسعى دول العالم الأول لعمل كل ما يمكن لمواجهة غضبة المناخ، نرى أركانًا أخرى من عالمنا يسعى جهالها إلى الجمع والتخزين على حساب الفقراء والمعوزين مستغلين سطوتهم وسلطتهم في الالتفاف على القواعد المرعية والكرامة الإنسانية والقوانين الحاكمة، وهنا يأتي دور الوعي والثقافة وجرأة اقتحام الصعاب التي يحذر منها الحكيم سليمان ويذكرها في صدر هذا الموضوع. حمانا الله من عبد إذا ملك، وأحمق إذا شبع خبزًا، وشنيعة إذا تزوجت، وأمة إذا ورثت سيدتها.