رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دونها الرقاب

"دونها الرقاب"، دا تعبير عربي معروف. معناه إنه الحاجة دي مش ممكن حد يوصل لها، إلا على جثتي/ جثتنا. تفصيليا: الرقاب معروفة جمع "رقبة"، اللي هي رقبتي/ رقبتنا، و"دونها" دي تعني "اللي بينك وبينها"، "اللي يفصلك عنها"، "اللي يوصلك إليها". فـ الحاجة دي علشان توصل لها، لازم تقطع رقبتي الأول/ رقابنا . سيبك من اللغة العنيفة في التعبير، خلينا مع "دون"، اللي هو ظرف عجيب جدا، العرب استخدموه بـ معاني كتير: قدام/ ورا/ تحت/ أقل من ....، واستخدموه مع حروف جر: من دون، بدون، علشان يدينا معاني أكتر. ومن مدلولاته المدهشة المعنى الموجود في التعبير السابق. مدلول مدهش، لـ إنه تصدق صح! فعلا، اللي يفصلك عن حاجة، هو نفسه اللي يوصلك ليها، القصة متوقفة عليك وعلى إمكانياتك: لو عندك الرغبة أو القدرة علشان تخوض الطريق دا/ التجربة دي، من أجل الوصول لـ شيء، يبقى هو اللي يوصلك ليها، لو ما عندكش الرغبة أو القدرة أو الاتنين، يبقى هو اللي يفصلك عنها. يعني، لو إنت مثلا في سجن، بينك وبين الحرية حيطة، لو تقدر تهد الحيطة أو تعمل فيها شباك أو ما أشبه، يبقى الحيطة هي اللي وصلتك، لو ما تقدرش، يبقى الحيطة هي بـ تفصلك عنها. الحيطة مش هي الموضوع، إنت الموضوع. ربما كان الكلام دا بـ يدور في ذهن المتنبي، وهو بـ يكتب قصيدته الشهيرة: "عيد بأية حال عدت يا عيد"، اللي كتبها وهو بـ يهرب من مصر، أو من كافور الإخشيدي حاكمها، وجه العيد عليه وهو في الطريق، هو حس إنه دا مش الوقت المناسب لـ قدوم العيد، مش لـ إنه في تعاسة إنما لـ إنه في ارتباك. لو جات مناسبة سعيدة (أو مفروض تكون سعيدة) وأنت تشعر بـ الحزن، ممكن تسهم شوية في تغيير المزاج، إنما وإنت مرتبك!الارتباك أشد قسوة، لـ ذلك بـ يولّد سؤال: عيد! بأية حال عدت يا عيدُ؟ بما مضى؟ أمر، لأمرٍ، فيك تجديدُ؟ (علامات الترقيم مهمة) لكن البيت مطلع القصيدة دا مش هو الموضوع بـ النسبة لي، عادة بـ أفكر في البيت التاني: "أما الأحبة، فالبيداء دونهمُ" البيداء هي الصحرا، كلمات كتير استخدمها العرب بـ معنى الصحرا، وهي مش زي بعض، البيداء جاية من الجذر "باد" يعني هلك وفني، ومنها "العرب البائدة" مثلا، يعني القبايل اللي راحت وما بقاش منهم حد، زي جرهم والعماليق، ومنها بـ ييجي "مبيد حشري"، اللي هو يبيد الذباب، يعني يقضي عليه تماما. البيداء: الصحرا اللي ما ينفعش نهائي حد يعيش فيها، مصير من يسكنها هو الفناء المحتوم القريب، فـ الأحبة (الأحباب) دونهم البيداء، بيني وبين الحبايب صحرا قاتلة مهلكة مبيدة، الحبايب مين؟هو كان حبيب واحد اسمه سيف الدولة الحمداني. طب وإيه اللي يمنعه يروح لـ سيف؟ الصحرا؟ فعلا الصحرا؟لا طبعا، هو لو ينفع يروح له، السكة فيزيائيا كانت سهلة، لكن بينه وبين سيف الدولة كانت صحرا تانية، صحرا أوجدتها الطريقة اللي مشي بيها من عنده، وموقف سيف الدولة ساعتها، وخذلانه لـ المتنبي على نحو صادم، فـ ما ينفعش. أما الأحبة، فالبيداء دونهم، فـ يا أستاذ عيد، إنت جي تعمل إيه؟وممكن أستقبلك إزاي؟فـ "ليت دونك بيدًا"، "دونها بيدُ"، أي يا ريت زي ما فيه بين وبين الحبايب صحرا، يبقى فيه بيني وبين العيد صحرا، وبيني وبين الصحرا دي صحرا كمان، ياااا ريت العيد يبقى أبعد حاجة عني، لـ إنه جيس وات؟العيد بـ يعيد، وأنا عايز الحكاية كلها تخلص، كفاية لـ حد كدا