رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وعود إدارة بايدن لإفريقيا

بسؤاله عما ستقدمه إدارة جو بايدن لقارة إفريقيا، وما سيجعل تعهداتها ومبادراتها، التى سيتم الإعلان عنها خلال «القمة الأمريكية الإفريقية»، مختلفة عن تعهدات ومبادرات إدارات سابقة، قال جاك سوليفان، مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى، فى مؤتمر صحفى عقده البيت الأبيض، مساء أمس الأول الإثنين، إن القضايا المتعلقة بالاقتصاد والصحة والمناخ والأمن والسلام لا يمكن حلها خلال سنوات قليلة، بل تتطلب شراكات دائمة على المستوى الحكومى، وعلاقات تجارية بين شركات القطاع الخاص.

السؤال جاء بعد أن أكد سوليفان أن الرئيس جو بايدن يعتزم طرح العديد من المبادرات الجديدة خلال القمة، التى بدأت أعمالها أمس وتنتهى غدًا الخميس، من بينها الإعلان عن دعمه لانضمام الاتحاد الإفريقى إلى مجموعة العشرين، ولحصوله على مقعد دائم، وتمثيل أكبر فى مجلس الأمن وفى كل المنظمات والهيئات والتجمعات الدولية.. وتقديم حلول مبتكرة للتحديات القديمة والقائمة والجديدة، التى تواجهها دول القارة.. وتقديم ٥٥ مليار دولار، خلال السنوات الثلاث المقبلة، لتحقيق الأمن والتنمية والنمو الاقتصادى.. وتعيين ممثل أمريكى خاص للقارة، يتولى متابعة تنفيذ هذه المبادرات، الوعود أو التعهدات. كما سبق أن أكدت كامالا هاريس، نائبة الرئيس، التزام الولايات المتحدة بتوفير كل الأدوات المتاحة لشركائها الأفارقة.

وعود ومبادرات وتعهدات شبيهة طرحتها إدارات أمريكية سابقة، خاصة إدارة باراك أوباما، التى عقدت، فى أغسطس ٢٠١٤، نسخة أولى من «القمة الإفريقية الأمريكية»، كان عنوانها «الاستثمار فى الجيل القادم»، وأكد خلالها الرئيس الأسبق، الأسمر، أن «الدماء الإفريقية» تجرى فى عروقه، وأن الروابط الأمريكية مع القارة السمراء تُعد شأنًا شخصيًا، بالنسبة له، قبل أن تكون شأنًا سياسيًا، ومع ذلك، لم تتطور علاقات بلاده بإفريقيا طوال سنوات حكمه الأربع التالية، ولم تتغير «الصور النمطية التى التصقت بالقارة باعتبارها أرضًا للفقر والحروب»، كما دعا أو طالب، أواخر يوليو ٢٠١٧، حين كان أول رئيس أمريكى يتحدث فى مقر الاتحاد الإفريقى، وظلت إفريقيا ضمن مصفوفة «الشريك غير المتكافئ» فى المنظور الأمريكى.

الثابت، هو أن القارة السمراء كانت ولا تزال «شاهدًا رئيسيًا على أزمة النظام الاقتصادى العالمى، الذى يتحمل مسئولية رئيسية عن إنتاج الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تهدد الاستقرار والسلم الدوليين، وتجعل الحديث عن التنمية المستدامة مجرد كلام مُرسل، لا شاهد عليه من الواقع الدولى المؤسف». وما بين التنصيص من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ خمس سنوات، أمام الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى شدّد فيها على ضرورة التخلص من سياسة الاستقطاب، مؤكدًا أحقية كل الدول فى أن تسعى إلى تطوير علاقاتها مع مختلف الشركاء الدوليين، دون أن يستعدى ذلك أحدًا.

السياسة المصرية تجاه محيطها الإفريقى، والإقليمى بشكل عام، تحرص على التأكيد على جملة من الثوابت التاريخية والاستراتيجية، تلخصها ثلاث كلمات هى «الأمن والتنمية والتكامل»، التى صارت، منذ منتصف ٢٠١٤، رسالة مصر لدول القارة، والمنطقة العربية، والمنهج المصرى فى كل المحافل الدولية. إذ كان ضروريًا، فى ظل هذا العالم الملىء بتحديات يصعب أن تواجهها أى دولة منفردة، أن تقترِن خطة مصر التنموية الطموحة بسياسة خارجية نشطة، تستلهم المبادئ الأخلاقية الراسخة فى تراثنا وثقافتنا، وتلتزم بالمبادئ القانونية للنظام العالمى، الذى شاركت فى تأسيسه، بالتزامن مع حربها ضد الإرهاب، التى خاضتها دفاعًا عن حاضرها ومستقبلها وحاضر ومستقبل قارة إفريقيا والمنطقة العربية والمجتمع الدولى بأسره. 

.. وأخيرًا، لا نعتقد أن شراكة دول القارة، أو الدول النامية إجمالًا، مع الولايات المتحدة، أو غيرها، ستمكّنها من مواجهة التحديات، أو تحقيق التنمية المستدامة، أو القيام بإصلاحات اقتصادية، بدون معالجة جذرية لأوجه الخلل فى الأوضاع الاقتصادية العالمية. بالضبط، كما أن إصلاح مجلس الأمن لن يتحقق، ما لم يتم تحريره من سيطرة الولايات المتحدة وباقى الدول الخمس دائمة العضوية، وتوسيع عضويته الدائمة، ليصبح أكثر تمثيلًا وفاعلية ومراعاة لمصالح كل الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، بموضوعية وبلا انتقائية.