رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلا طعم.. كقهوتك

    انسجام، الرسام
انسجام، الرسام المصري- عمر الفيومي(1957)

غضبت مريم وقررت الذهاب للإدارة لتحتج على قرار الاستغناء عن مى قبل وصول مى للعمل وأخذت تشرح ظروف مى للإدارة وأنها مطلقة وأم لبنتين وطليقها لا ينفق على بناتها

استيقظت مريم كعادتها اليومية مع شروق الشمس تجرى خلف نفسها؛ تحضر فطارها وفطار زوجها وابنتها، ترتدى ملابسها وتساعد ابنتها على ارتداء ملابسها، تطهو طعام الغذاء وتجعله نصف ناضج حتى تعود من العمل وتكمل طهيه، وفى عز جريها سمعت صوت زوجها يقول: ما هذا قهوة بلا طعم كيف تشربينها هكذا؟! لبن كثير بن قليل.

قالت مريم: هذه ليست قهوتك، قهوتك على المائدة بجانب فطارك.

نظرت مريم للساعة أيقنت أنها لن تتمكن من شرب قهوتها كاملة إذن فلتأخذ رشفة قبل أن تبدأ اليوم، تذوقت قهوتها فوجدتها باردة، تنهدت وتركت قهوتها كما تركت أشياء كثيرة، وأخذت ابنتها وخرجتا من البيت.

أوصلت ابنتها لمدرستها، وهى تعبر الطريق وجدت طفلًا صغيرًا لا يعرف كيف يعبر الطريق؛ كلما هم بالعبور وجد سيارة تأتى فيتراجع، فذهبت مريم بقلب الأم وأمسكت يده لتساعده على العبور، فتفاجأت بأمه تلومها على ما فعلت وتخبرها بأنها تراقبه وتتركه يتعلم كيف يعبر الطريق وحده، وأنها ستتدخل وقت اللزوم. 

اعتذرت مريم من الأم، وعبرت الطريق لتركب الأتوبيس وتذهب لعملها. 

فى اليوم التالى فى الأتوبيس جلست مريم على أحد المقاعد فغلبها النوم ولم تستيقظ إلا على صوت سيدة عجوز تلوم امرأة أنها تجلس وتتركها واقفة، ثم انتبهت مريم أن الكلام لها فاعتذرت، ونزلت فى محطة تسبق محطة عملها من شدة إحراجها، وأكملت الطريق لعملها سيرًا! وانتهى اليوم برسالة من مدرسة ابنتها قبل أن تنام تخبرها بأن مستوى ابنتها الدراسى تراجع كثيرًا، وأنها بحاجة لاهتمام أكثر من البيت.

فى اليوم الثالث ذهبت مريم لمقر عملها، وعلمت أن الشركة قررت الاستغناء عن زميلتها فى نفس المكتب مى!

غضبت مريم وقررت الذهاب للإدارة لتحتج على قرار الاستغناء عن مى قبل وصول مى للعمل، وأخذت تشرح ظروف مى للإدارة، وأنها مطلقة وأم لبنتين وطليقها لا ينفق على بناتها فكيف يتم الاستغناء عنها فجأة بهذا الشكل؟! وبعد مناقشة طويلة قررت الإدارة أن تمهلها شهرًا لتدبر أمورها، ثم يتم الاستغناء عنها. 

فرحت مريم، وذهبت للمكتب لتخبر مى بالقرار الجديد، دخلت المكتب وجدت مى تجمع متعلقاتها استعدادًا للرحيل، فأخبرتها مريم بالقرار الجديد فوبختها وقالت مى: من طلب منكِ التدخل فى شئونى، طليقى سيتزوجنى مرة أخرى وشرطه الوحيد أن أترك العمل.

اعتذرت مريم وجلست على مكتبها لآخر اليوم دون أن تنطق بحرف واحد.                               

وهى فى طريقها لمنزلها مع ابنتها رن جرس الموبايل، أخرجته من حقيبتها لتجد أمها تتصل بها، وتطلب منها أن تأتى لها لتذهب معها لتؤدى واجب عزاء لأن أخاها مشغول اليوم ولا يمكنها الذهاب وحدها. 

طلبت مريم من أمها أن تؤجل ذلك المشوار حتى الليل أو للغد، فالغد إجازة وتحججت بأن ابنتها ستتعب من كل تلك المشاوير فهى ستذهب لبيت أمها تأخذها ثم تذهب للعزاء، ثم تعيد أمها لبيتها، ثم تعود هى لمنزلها. 

غضبت أمها واتهمتها بالتقصير فى حقها فاعتذرت مريم، واستسلمت لرغبة أمها.

ذهبت مريم مع والدتها للعزاء، وعادت لمنزلها بعد أن عاد زوجها، قال زوجها فور دخوله البيت: ما كل هذا التأخير؟! فأخبرته مريم بأنها أرسلت له رسالة تشرح له ما حدث. 

فقال بصوت مرتفع: وما ضرورة الذهاب للعزاء فى ذلك الوقت ألا يمكنك الذهاب ليلًا؟! أنتِ أم مهملة تأخذين طفلتك معكِ حتى ذلك الوقت بدلًا من أن تعود للبيت، وتتناول طعامها، وتستريح وتذاكر. وأين الطعام؟! ولماذا لم تدفعى كل تلك الفواتير؟! ولماذا لم تتصلى بالسباك ليصلح الحمام؟! أنتِ بلا فائدة وبلا طعم كقهوتك.

صرخت مريم فجأة ماذا أفعل؟! لا يمكننى فعل كل ذلك لا يمكننى إرضاؤكم جميعًا. 

أمى ترانى ابنة عاقة، وأنت ترانى زوجة بلا طعم وبلا فائدة، والمُدرسة ترانى أُمًا مقصرة، وفى العمل يرونى متطفلة! 

لا أعجب أحدًا، ولا أعجب نفسى، فجأة رن جرس الباب ليصمت الجميع، فتح زوجها الباب ليجد عامل الدليفرى أحضر طعامًا طلبته مريم قبل أن تصل للمنزل، كان الطعام الذى يفضله زوجها من المطعم الذى يحبه. 

نظر زوجها لها نظرة اعتذار وخجل، صعبت عليها نفسها كثيرًا، أخذت تبكى ومر اليوم بكامله أمام عينيها، كان ملخصًا لحياتها فانهارت حتى سقطت أرضًا.

فاقت مريم لتجد نفسها على سرير فى مستشفى، نظرت لنفسها فاعتقدت أنها ولدت ولادة مبكرة لأنها فى الشهر السابع.

قالت للطبيب: أين ابنى؟ فى الحضانة؟

قال الطبيب: آسف يا مدام مريم كان إجهاضًا وليس ولادة. 

لم تذرف مريم دمعة واحدة، ونظرت لأمها التى كانت تبكى بشدة، وقالت لها أخبرى من ذهبنا لعزائهم أن ابنى مات ليأتوا لتقديم واجب العزاء، لكن إن كان فيهم طفلة صغيرة عائدة من مدرستها أو حامل فى أشهرها الأخيرة لا تخبريهم، اتركيهم فمجيئهم لن يعيد من مات. 

ونظرت لزوجها وقالت كنت أشرب قهوتى بلا طعم لأجله، لكن من الآن سأشربها سادة وساخنة.