رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العيدية البلاستيكية!

العيدية، كما يقول «معجم اللغة العربية المعاصرة»، هى «مصدر صناعى من عِيد: هِبة تُعطى يوم العيد». أما التاريخ فيقول إنها بدأت فى مصر، بدنانير أو دراهم، ذهبية أو فضية، قرّر المعز لدين الله الفاطمى منحها للفقهاء والمؤذنين وقراء القرآن، ثم تحوّلت إلى ثقافة وعادة شعبيّة، وارتبطت بمختلف أشكال الهدايا، التى يتداولها المصريون فى العيد، حتى استقرت، مع نهاية الاحتلال العثمانى، على النقود.

يقول التاريخ، أيضًا، إن العيدية يوم ٢٦ فبراير ١٩٦٩ ميلادية، الموافق ١٠ ذو الحجة ١٣٨٨ هجرية، كانت، لأول مرة، بأوراق نقدية تمت طباعتها فى مصر. ومن وقتها، صارت العيدية بالأوراق النقدية الجديدة، التى اعتادت فروع البنوك على تلقى حصتها منها، استعدادًا لتلبية طلبات العملاء، التى نعتقد أن غالبيتها تركزت هذا العيد على العشرة جنيهات الجديدة، التى لن تكون مخطئًا لو وصفتها بـ«البلاستيكية»، لأن البلاستيك يتكون من سلاسل طويلة من الجزيئات، تُسمّى «البوليمرات»، تتشكل من ارتباط «المونومرات»، مع مركبات أخرى، تجعلها أكثر ملاءمة للغرض، الذى تم تصنيعه من أجله، كتغيير لونه أو لجعله أكثر قوة أو مرونة.‏

زالت الخلافة العباسية والدولة الإخشيدية، سنة ٩٦٩، على يد جوهر الصقلى، قائد جيش المعز لدين الله، الذى حكم مصر لمدة أربع سنوات نيابة عن الخليفة الفاطمى، قام خلالها بتأسيس مدينة القاهرة، وبنى الجامع الأزهر، وأضاف إلى احتفالات العيد المواكب والموائد الضخمة. وقيل إنه أراد أن يستميل المصريين، فى بداية حكمه، فأمر بتوزيع الحلوى والهدايا، مع حلول كل عيد، على رجال الدولة، وعامة الرعيّة، كما كان يهدى بنفسه دراهم فضيّة مخصصة للفقهاء والقرّاء والمؤذنين، مع انتهاء ختمة القرآن الكريم ليلة العيد.

الطريف أن المعز، لما مات فى ١٦ ربيع الثانى سنة ٣٦٥ هجرية الموافق ٢٣ ديسمبر سنة ٩٧٥، أخفوا خبر موته، ولم يعلنوه إلا يوم النحر، أى عيد الأضحى، حتى يجعل ابنه «العزيز» العيد مناسبة لإعلان توليه الخلافة، حيث «كان من عاداتهم اغتنام الأعياد لإقامة المناسبات السعيدة»، كما كتب المقريزى فى «اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء». وما يعنينا هنا هو أن العزيز ومن تبعوه، استمروا فى توزيع العيديات، بمن فيهم الخليفة الفاطمى الثامن، المستنصر بالله، الذى شهدت البلاد فى عهده مجاعة كبرى، صارت معروفة باسم «الشدة المستنصرية». وذكر ابن كثير فى «البداية والنهاية»، أنه كان يرسل يوم العيد صدقات كثيرة وإنعامًا جزيلا لمن تُرجى بركتهم: للفقراء على وجه الصدقة، وللعلماء على سبيل الإحسان والإكرام. كما كان ينثر الدراهم، من أعلى أحد أبواب قصر الخلافة، على من يذهبون إلى القصر للتهنئة.

الخلفاء الفاطميون، بحسب دراسة عنوانها «تاريخ العيدية عبر العصور» للدكتور إبراهيم العنانى، كانوا يخصصون ١٦ ألف دينار ذهبى للعيدية. ولعيدية هذا العام، طرح البنك المركزى، منذ أيام، مليارى جنيه، أو ٢٠٠ مليون ورقة، من العشرة جنيهات البلاستيكية، فى كل فروع البنوك المصرية، التى يتجاوز عددها ٤٥٠٠ فرع، فى إطار تطبيق سياسة النقد النظيف ورفع معدلات جودة أوراق النقد المتداولة بالسوق المصرية، إلى جانب تخفيض تكلفة الطباعة، على المدى البعيد، نظرًا لطول عمر النقود البلاستيكية.

مع القوة والمرونة، تتميز النقود البلاستيكية بسُمكها الأقل، وطول عمرها الافتراضى الذى يصل إلى ثلاثة أضعاف عمر النقود الحالية المصنوعة من القطن، إلى جانب أنها مقاومة للماء، وأقل تأثرًا بالأتربة، كما أنها صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التصنيع، وأكثر مقاومة للتلوث، بالإضافة إلى صعوبة تزييفها، والكتابة عليها. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن ٣٠ دولة تقريبًا، سبقتنا إلى تلك الخطوة، من بينها دول عربية وإفريقية، غير أن مصر هى الدولة الرابعة فى العالم، التى تنتج عملتها البلاستيكية. وعليه، وكما كانت العيدية سنة ١٩٦٩، لأول مرة، بأوراق نقدية تمت طباعتها فى مطبعة البنك المركزى المصرى، ستكون عيديات اليوم، هى تلك العملة البلاستيكية، التى يتم إنتاجها بدار الطباعة الجديدة، فى العاصمة الإدارية، بالتنسيق مع «مجمع إصدار الوثائق المؤمنة والذكية»، الذى يقوم بتوفير الأوراق والمواد الخام المتطورة المتوافقة مع أحدث المعايير الدولية.