رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن قلة الحيلة

كان مجرد طرطور لا حول له ولا قوة، أو دمية تحركها جماعة الإخوان، وغالبًا أراد وزير الدفاع أن يجامل محمد مرسى العياط، أو «يجبر بخاطره»، حين قال له، إن البلد تدار برئيسين أحدهما فى قصر الاتحادية والآخر فى مكتب الإرشاد، كما شاهدنا فى الحلقة الثالثة والعشرين من مسلسل «الاختيار ٣»، الذى كشفت حلقاته عن جوانب متعددة من عقدة دولة الإخوان، التى يجلس على رأسها، أو على تلها، المرشد الأعلى.

مع المجاملة، التى تكررت، وجبر الخاطر، الذى ما كان ممكنًا أن يستمر، حاولت قواتنا المسلحة، بشتى الطرق، تقويم مندوب الإخوان فى قصر الرئاسة، أو استعادته من مختطفيه، ونصحه قائدها العام، وزير الدفاع، بالتصالح مع كل القوى الوطنية، وتكوين لجنة لمعالجة التحديات والحفاظ على مؤسسات الدولة وعدم السماح بالتدخل فى شئونها، خصوصًا من مكتب الإرشاد، و.... و.... ولا نعتقد أنه فوجئ بذلك الرد: «أنت متخيل إنى لو انفردت بالحكم وهمّشت جماعة الإخوان حايسيبونى أو حايسيبوا ولادى؟ دى دونها الرقاب».

لم يكن محمد مرسى، باختصار، فاعلًا أو جزءًا من تركيبة الحكم. ولعلك تعرف أن الجماعة وضعته على ذلك المقعد مضطرة، وأنه كان المرشح البديل «الاستبن» لخيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة ورجلها الأقوى، لكن ما قد لا تعرفه هو أن دور الرئيس فى مسرحية الإخوان كاد أن يلعبه كثيرون، من بينهم مثلًا منصور حسن، وزير الثقافة والإعلام وشئون رئاسة الجمهورية فى عهد السادات، الذى زاره عصام العريان فى بيته وطلب منه الترشح مؤكدًا على دعم ومساندة الجماعة له. لكن الرجل انتبه إلى الفخ الذى نصبته له الجماعة، وقرر ألا يخوض الانتخابات الرئاسية، وقال بالنص: «الإخوان تلاعبوا بى.. وأرفض أن أكون طرطورًا بوظيفة رئيس جمهورية».

الطُرطور، بضم الطاء، يشبه القرطاس ويضعه المهرجون على رءوسهم. وفى «لسان العرب» هو الوغد الضعيف من الرجال، وفى معجم المعانى الجامع، هو الشخص التافه عديم القيمة، وجاء فى كتاب «كناشة النوادر» أنه الضعيف من معيز الجبال وتيوسها. وعليه، ولأن معيز الجماعة وتيوسها، لا تطيع أو تعبد غير مرشد الجماعة، فلم يكن ممكنًا أن يقع اختيارها على محمد مرسى إلا إذا توافرت فيه صفات الطرطور. 

تأسيسًا على ذلك، كان المصريون على حق، ولم يكونوا مبالغين حين خرجوا يهتفون: يسقط.. يسقط حكم المرشد. وقطعًا، لو لم يخرج الملايين، فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ولو لم تكن لنا درع وسيف، لقضينا باقى أعمارنا تحت الاحتلال، أو فوق طاولة قمار، يتفاوض أو يلعب على مقدراتنا مقامرون، كهؤلاء الذين يتفاوضون أو يلعبون، الآن، على مقدرات دول عربية شقيقة غير عابئين بمصائر شعوبها. وفى أفضل التصورات تفاؤلًا، كانت مصر، ودول أخرى فى المنطقة ستتحول إلى نسخة مشوهة من إيران التى يحكمها «المرشد» بقبضة حديدية وبصلاحيات مطلقة. 

لفترة طالت قليلًا، ظن الإخوان أن المستحيل صار ممكنًا، وأنهم كما استطاعوا، أو كما استطاع مستعملوهم، استمالة، أو تجنيد، اليسار العربى والعبرى والأوروبى، وركوبهم يمكنهم أيضًا ركوب مؤسسات الدولة، وضبط توجهاتها ومواقفها وقراراتها على بوصلة التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية، والشىء نفسه، أو المستحيل نفسه، حاولوا أن يفعلوه أيضًا فى تونس، قبل أن يدرك التونسيون، قبل فوات الأوان بقليل، أن «حركة النهضة» تعمل لصالح أجندة التنظيم الدولى للإخوان، وليس وفق أجندة وطنية، وعرفوا أن مفهوم الدولة غائب عن أدبياتها، وأنها لا يمكن أن تكون شريكًا فى العملية السياسية، لكونها جماعة إرهابية، تمتلئ صحيفة سوابقها، خلال السنوات الأربع والتسعين الماضية، بآلاف جرائم القتل والحرق والتدمير والتفجير والتجسس والتحريض على إشعال الفتن الطائفية.

.. وأخيرًا، قيل إنهم حين سألوا محمد مرسى العياط عن أصعب سنة مرت عليه، ظل يفكر ويفكر.. ويفكر ويفكر، ثم قال: «سنة أولى إعدادى». وتلك طبعًا نكتة، أما ما حدث بالفعل وما أكدته «مصادر» فهو أنه فى الدقيقة الثالثة من بيان «٣ يوليو» طلب من الحرس الجمهورى «ملابس داخلية»!.