رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هدية أمريكية ملغومة!

الهدية تلقاها سامح شكرى، وزير الخارجية، خلال زيارته إلى واشنطن، من نظيره الأمريكى أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، وكانت عبارة عن نسخة لخطابين، أحدهما خطاب الاعتراف بـ«استقلال مصر وسيادتها» موجّه من الرئيس الأمريكى وارن هاردينج إلى الملك أحمد فؤاد، والآخر خطاب من تشارلز هيوز وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت إلى عبدالخالق ثروت لتهنئته على الاستقلال الصورى.

خطاب هاردينج، الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدة، يحمل تاريخ ٢٦ أبريل ١٩٢٢. وكذا خطاب تشارلز هيوز، وزير الخارجية الأمريكى الرابع والأربعين. ما يعنى أنهما تم إرسالهما بعد شهرين تقريبًا من تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢، الذى أصدره اللورد إدموند اللنبى، ممثلًا لحكومة «المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا»، والذى أعلن فيه، من جانب واحد، عن إنهاء الحماية البريطانية على مصر.

تأسيسًا على ذلك، تلقت السفارة البريطانية فى القاهرة، بعد ظهر ١٥ مارس التالى، خبر موافقة مجلس العموم البريطانى على إلغاء الحماية، والاعتراف بمصر «دولة مستقلة ذات سيادة». وعليه قامت السفارة بإبلاغ «السلطان فؤاد»، الذى أبلغ الخبر إلى رئيس مجلس وزرائه عبدالخالق ثروت، بالصيغة التالية: «نعلن على ملأ العالم أن مصر منذ اليوم دولة متمتعة بالسيادة والاستقلال، ونتخذ لنفسنا لقب صاحب الجلالة ملك مصر، ليكون لبلادنا ما يتفق مع استقلالها من مظاهر الشخصية الدولية وأسباب العزة القومية».

تقريبًا كانت تلك هى النتيجة الوحيدة لإعلان ٢٨ فبراير: تغيير لقب فؤاد من السلطان إلى الملك. إذ أعطت بريطانيا لنفسها حق تأمين مواصلات إمبراطوريتها، وحق الدفاع عن مصر ضد أى اعتداء أو تدخل أجنبى، وحماية المصالح الأجنبية والأقليات فيها. ما يعنى أن الاستقلال كان صوريًا أو لفظيًا، أو مجرد حبر على ورق. وهو ما لا نعتقد أنه كان غائبًا عن الرئيس الأمريكى التاسع والعشرين، الذى رحب باسمه، وباسم الشعب الأمريكى، فى الخطاب القديم أو الهدية الجديدة، بفؤاد «فى عائلة الأمم الحرة»!.

تولى هاردينج رئاسة الولايات المتحدة منذ ٤ مارس ١٩٢١ حتى وفاته فى ٢ أغسطس ١٩٢٣، إثر أزمة قلبية. وبعد أن كان من أكثر الرؤساء الأمريكيين شعبية، صار أقلهم وأسوأهم، بعد الكشف عن فضيحة «تى بوت دوم»، أو «قبة إبريق الشاى»، وعن إقامته العديد من العلاقات خارج نطاق الزواج، أبرزها علاقته بسيدة اسمها نان بريتون، أنجبت منه ابنة، وتحت عنوان «ابنة الرئيس»، حكت كل تفاصيل تلك العلاقة فى كتاب صدر سنة ١٩٢٧، أكدت فيه أن العلاقة بدأت قبل توليه الرئاسة واستمرت حتى وفاته.

فضيحة «تى بوت دوم»، كانت قضية فساد مالى حصلت على اسمها من حقل نفط يقع على أرض مملوكة للدولة، فى منطقة «وايومنج»، تمت تسميته بـ«تى بى دوم»، قبة إبريق الشاى، لأنه عبارة عن نتوء فى صخرة جبلية تشبه الإبريق، وتم تخصيصه للبحرية الأمريكية لتستخدمه فقط فى حالات الطوارئ أو عندما تتقلص إمدادات النفط العادية. غير أن إدارة هاردينج منحت حق استغلال الحقل لهارى سنكلر صاحب مؤسسة ماموث أويل، بالأمر المباشر، مقابل رشوة والشىء نفسه تكرر مع إدوارد دوهينى الذى حصل على حقول نفط احتياطية فى تلال إيلك. وأعيدت هذه الحقول إلى الدولة سنة ١٩٢٧، بقرار المحكمة العليا. 

قضية الفساد المالى، إذن، تم حسمها خلال أقل من خمس سنوات. أما القضية الأخرى، قضية الفساد المجتمعى أو الأخلاقى، أو إقامة علاقات خارج نطاق الزواج، فظلت متداولة أمام المحاكم، وفى وسائل الإعلام، حتى تمكنت «إليزابيث آن»، سنة ٢٠١٥، عبر اختبارات الحمض النووى، إثبات أنها ابنة هاردينج ونان بريتون. ومع ذلك، أقام ابنها جيمس بلاسينج، دعوى قضائية، منتصف ديسمبر ٢٠٢٠، لإثبات نسبه إلى جده!.

.. أخيرًا ولأن الاحتلال عبارة عن خليط من كل أشكال وأنواع الفساد، احتاج الاستقلال الصورى إلى ٣٠ سنة ليتحول فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ إلى استقلال فعلى، جرى استكماله بتوقيع اتفاقية الجلاء فى ١٩ أكتوبر ١٩٥٤، التى خرج بموجبها، فى ١٨ يونيو ١٩٥٦ آخر جندى بريطانى من مصر.