رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب جريمة


إطلاق أو استعمال لفظ الإرهاب بمعناه المتداول الآن يعنى:- استخدام أو استعمال طرق عنيفة كوسيلة الهدف منها نشر الرعب للإجبار على اتخاذ موقف معين أو الامتناع عنه، وإذا ارتضينا هذا المعنى لا المصطلح، فيبدو أن ملامح الإرهاب تتسم بسمات أهمها:- الإرهاب وسيلة وليس غاية...

...الوسائل المستعملة تتميز بالعنف وبالتالى توجد فزعًا وخوفًا. الإرهاب موجه ضد سلامة أفراد وحقوقهم وحرياتهم، وعلى هذا فالإرهاب بهذا «جريمة»، وتختلف اختلافًا جوهريًا عن حرب المجال الحيوى - أى احتلال أرض بغرض التوسع - أو ضد الاستقلال السياسى لدولة أو ضد سلامة أراضيها، وقبل بيان الرؤية الشرعية للإرهاب بمعناه السالف يجب التنبيه على أن مصطلحات الإرهاب - والتى لم يتفق عليها - تحمل معانى محددة ممن صدرت عنه، والواجب فهمها على مراد من صدرت عنه، ولا يقبل فى العمل العلمى أن ينسب إليه معنى آخر لم يرده صاحب ذلك المصطلح من مصطلحه، فهذه المصطلحات ليست لها ضوابط أو قواعد يمكن ضبطها به، وهو أمر مقصود من الجهات التى تطلقه ومن الأشخاص الذين يضعونه لأنهم يضعونه بمعطياتهم وتقديراتهم أوحسب مصالحهم لا باعتبار معطيات وتقديرات ومصالح الغير، وهذا الخلط بين الدفاع المشروع والهجوم غير المشروع، وهذا واضح فى التعامل الدولى لقضايا عديدة فهو بحسب الحسابات السياسية مشروع لقوم، غير مشروع لقوم ولو تطابقت الظروف وتماثلت!!.

وبالمثال يتضح المقال:- ارتكاب مذابح ضد الهنود الحمر فى أمريكا!!، وضد العرب «دير ياسين» و «صبرا وشاتيلا» و«جنين» و«قانا»، وفى الجزائر وليبيا ومصر وغيرها من المستعمرين الغاصبين، هذه الممارسات وما ماثلها من وجهة نظر مرتكبيها ليست إرهابًا، وكفاح المستضعفين ضد الغاصبين المعتدين إرهاب. وهكذا تلعب المصالح والحسابات السياسية دورًا مؤثرًا فى التعامل مع مصطلح الإرهاب.

وبهذا يظهر الفرق بين الكفاح المشروع وغير المشروع وحتى تتضح الرؤية دون مجاملة أو تحامل إذا علم هذا: فإن الرؤية الشرعية للإرهاب بملامحه التى نحن بصدده تكاد تكون واضحة إذا ارتضينا معنى ومقاصد الإرهاب. الاستعمال العمدى والمنتظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب بغرض تحقيق أهداف معينة، وهذه الوسائل موجهة غالبًا إلى أشخاص ليسوا مباشرين لأعمال عدوانية، وقد يكون منهم متسبب، ولكن ليس بعينه، وقد يكون منهم من لا دراية لديه لدوافع هذه الأعمال، وقد تكون الأهداف التى ارتكبت الوسائل العدوانية مرفوضة تمامًا وغير صحيحة من الوجهة الشرعية أو تصطدم مع ثوابت الدين الحق وأصوله ومقاصده، فالإرهاب فى هذه الأحوال جريمة من الجرائم وذلك لما يلى: الأصل فى الإسلام حفظ وصيانة وحماية النفس الإنسانية سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة فأمن الإنسان من أجل النعم.

وقال الله - سبحانه وتعالي- «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِى الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ{32}) من سورة المائدة، (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً{33}» من سورة الإسراء، وهذا للمسلم ولغير المسلم، ولا يسوغ القتل إلا فى حالات محدودة فبالنسبة للمسلم فى القصاص وبعض الحدود الشرعية بعد تكييف الجرم وإثباته والحكم من الجهات المنوط بها إهداره، وإذن الحاكم ومن يفوضه، وهذه الأمور مفصلة فى المصنفات الفقهية المعتمدة.

■ أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف