رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترتيب الأولويات


ضرب خطيبنا نماذج عديدة من القرآن والسنة، وأشار إشارات بالغة الأهمية فى هذا الموضوع، أقول بالغة الأهمية، لأنها تتعلق بتشكيل العقل الإنسانى فضلا عن العقل المسلم، الذى تلوث بعضه بفقدان ترتيب الأولويات سواء بشأن العبادة والدين أو الحياة العامة

أحيانا يذهب المسلم ليصلى الجمعة، وهى صلاة أسبوعية، وكفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، فيجد خطباء غير مؤهلين لعلاج الموضوع الذى يخطبون فيه، أو أنهم مؤهلون، ولكن المصلى لا يجد للخطبة موضوعاً متماسكاً، يخرج منه بشعور الاقتناع والاستفادة، والرغبة فى تغيير حياته وحياة أسرته إلى الأحسن أو الإسهام فى بناء المجتمع.

وبعض من الخطباء يخطب وكأنه فى معركة مع المجتمع أو النظام، فيخرج المصلى بصورة عن الحياة سوداء، مستعدا للانتقام من المجتمع بصورة من الصور، فيكون صيدا سهلا لأعداء المجتمع والوطن. وبعضهم لا يرى إلا النار فى الآخرة، وكأن رحمة الله تعالى التى وسعت كل شىء لا وجود لها. أما خطيب الجمعة الماضية الذى صليت وراءه فى دار الأرقم بمدينة نصر أمام مكتبى مباشرة، ولا أعرف اسمه لأذكره هنا، فقد تكلم الخطيب المتميز فى موضوع الأولويات كلاما جميلا، وإن كان مقتصرا على موضوع العبادة فقط، والدين أشمل وأوسع من ذلك.

ضرب خطيبنا نماذج عديدة من القرآن والسنة، وأشار إشارات بالغة الأهمية فى هذا الموضوع، أقول بالغة الأهمية، لأنها تتعلق بتشكيل العقل الإنسانى فضلا عن العقل المسلم، الذى تلوث بعضه بفقدان ترتيب الأولويات سواء بشأن العبادة والدين أو الحياة العامة، وتلوث بعضه بفكر شاذ غير وسطى، لا يعرف للأولويات سبيلا، فيدمر حتى وإن كان يريد الإصلاح، ويقدم السنة على الفروض، أو الأدنى أهمية على الأعلى أهمية حتى فى بعض العبادات، ويعتبر التدمير والعنف من الجهاد فى سبيل الله.

المشكلة الأكبر فى ترتيب الأولويات عند أصحاب رابعة، والتحالف المسمى «تحالف دعم الشرعية»، أنهم لم يدركوا ترتيب أولويات الوطن، فكانت معركتهم مع النظام والوطن للأسف الشديد تصب فى صالح الإرهاب، الذى يهدد الوطن ووحدته أو تشوه صورة الوطن لدى الغرب، الذى ينتهز أى فرصة لتقسيم الوطن العربى تحت مسمى «الشرق الأوسط الكبير».

من أجمل ما جاء به الخطيب فى الخطبة عن الأولويات، أن الحاج القادر ماليًا الذى حج حجة الإسلام «الفرض» قد يكون من أفضل العبادة له أن يهتم بأهل الوطن الفقراء والمعدمين وأصحاب الحاجات، مستشهدا فى ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع «جوعان»، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «ولأن أمشىَ مع أخٍ فى حاجةٍ أحبُّ إلىّ من أن أعتكفَ فى هذا المسجدِ «يعنى مسجدَ المدينةِ» شهرًا « وطبعا معلوم أن الصلاة الواحدة فى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعدل ألف صلاة فى غيره من المساجد إلا المسجد الحرام.

ويسرنى أن أضيف من التراث أن عبدالله بن المبارك، كان فى طريقه إلى الحج فوجد قرية بها مشكلة كبيرة من السيول، فأعطى تلك القرية كل ما معهم وقال لمن معه من الراغبين فى الحج، هذا حجنا هذا العام. وهذا درس كبير فى ترتيب الأولويات. هناك فى مصر من يحج عشرات المرات أو كل سنة، وهى عبادة عظيمة ولكن حجة الإسلام تكفى ليعود الحاج كيوم ولدته أمه «بلا ذنوب»، طالما تجنب الرفث والفسوق فى الحج، وكان ماله من حلال.

إننا جميعا لو راجعنا أنفسنا وموقفنا من ترتيب الأولويات، لتغيرت كثير من الأوضاع فى مصر بدءاً من المجلس المحلى إلى المحافظة إلى الوطن. لعل هذه الخطبة كانت محل اهتمام أجهزة الإعلام لإذاعتها مرة بعد مرة، وإن كانت خطبة موحدة، فشكرا لمن أشار بها، وكتب أو جمع مادتها العلمية أو ألقاها. والله الموفق.