رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بين مبارك والإخوان


لا يفكر أحد الآن فى البرنامج المطلوب لإنقاذ مصر من مشاكلها، وانحصر كل الحديث فى أسماء معينة - ومع احترامنا الكامل لها- فإن التحدى الذى تواجهه مصر أكبر بكثير منها كلها.

شىء عبثى ما تنشره الصحف وتمتلئ به الفضائيات هذه الأيام فى سياق حديثها عن الاستعداد للانتخابات الرئاسية المرتقبة.

جنرالات الليل الذين يخرجون علينا عبر ما يسمى ببرامج التوك شو أغرقونا ومعهم الصحفيون فى تحليل مواد قانون انتخابات الرئاسة المقترح التى تمنع أو تجيز لحسنى مبارك ومحمد مرسى خوض السباق الرئاسى القادم من عدمه، و العجيب أن صحفيى مصر سقطوا فى نفس الفخ وملأوا صحفهم بذات الأحاديث، وأعتقد أن هذا جزء من المشكلة السياسية التى تواجهها مصر حاليا، حيث إننا لم نخرج فى اختياراتنا السياسية عن نظامين ثار عليهما الشعب، الأول استمر 30 عاماً وتصور فى لحظة أنه قد حيزت له الدنيا بحذافيرها فكان سقوطه المروع، والثانى بنى حساباته واعتقد أنه لن يترك حكم مصر قبل 500 عام على الأقل فكان انهياره بأسرع مما نتخيل.

مشكلة مصر السياسية أنها مازالت حبيسة الاختيارات المحدودة بين عودة الفلول أو حكم الجماعة، ومن هنا لم أتعجب حين سمعت مداخلة تليفونية للمحامى الأشهر «فريد الديب» عبر إحدى الفضائيات وهو يتحدث فيها وكأنه يتخيل أننا يمكن أن نصدقه بقوله: إن الرئيس الأسبق حسنى مبارك لن يترشح للانتخابات المقبلة ولا أى من أسرته.

وبالطبع لم يفوت على الأخ الديب أن يعدد مآثر موكله بأن يذكرنا أن مبارك هو الذى استقال وترك الحكم سنة 2011، «يعنى الرجل هو اللى مشى بمزاجه مش بثورتكم يا غجر».

كم تبلغ تكلفة وقت البث الذى استغرقه حديث الديب؟، والأهم كم هى قيمة وقت الناس الذين شاهدوه والمؤكد أنهم فكروا فى كلامه؟ ونفس السؤال أطرحه على الصحافة وأنا كنت عضوا بالمجلس الأعلى للصحافة السابق: ما قيمة ما تنشره الصحف فى مانشيتاتها عن مدى احتمالية أو إمكانية ترشح مبارك أو مرسى؟ وألم تكن هموم الجماهير ومشاكلهم أولى بتلك المساحات فى هذه الصحف المملوكة للشعب؟

إن أى حديث عن عودة مبارك أو مرسى للحكم، هو نوع من الترف الفكرى او التحليق فى عوالم افتراضية وياليتها افتراضية وحسب، بل هو نوع من الفرض المستحيل والجدل البيزنطى الذى يستهدف إلهاء الناس بقضايا لا وجود لها على أرض الواقع، إذ إن شعب مصر الذى لفظ حكم «الجماعة»، وفاض به الكيل من حكم «العائلة» لن يقبل بحال أن تعود عجلة الزمن إلى الوراء لأن هذا أمر ضد قوانين الطبيعة وحديث المنطق.

ومن أسف أن الممارسات الإعلامية التى تتورط فيها الصحف والقنوات المصرية تسهم بشكل مباشر فى إصابة الواقع السياسى بمحدودية الأفق وانعدام الخيال، فلم تعد لدينا القدرة على أن نتصور أن حكم مصر يمكن أن يخرج إلى طرف ثالث بعيداً مبارك أو الإخوان.

والنتيجة أننا أصبحنا نتحدث عن أشخاص، ولم يعد هناك أى ذكر للبرامج، لا يفكر أحد الآن فى البرنامج المطلوب لإنقاذ مصر من مشاكلها، وانحصر كل الحديث فى أسماء معينة - ومع احترامنا الكامل لها- فإن التحدى الذى تواجهه مصر أكبر بكثير منها كلها.

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.