رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة المشير لروسيا


صحيح ما قالته باترسون، صديقة الإخوان أثناء حكمهم، لكن شروط الشراكة الاستراتيجية التى امتدت عقوداً يجب أن تتعدل فى ضوء ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وصحيح أن مصر يجب أن تحترم حقوق الجميع، ولكن الإجرام والإرهاب والعنف، غير قابل للاحترام،

قيل وسيقال الكثير عن زيارة المشير والوفد المرافق له إلى روسيا، وستكون هناك تفسيرات وتأويلات كثيرة، وبعض الحقائق أو القليل منها. وصل الخيال أو التأويل ببعضهم إلى أن يقول، إن الزيارة تمت بناء على طلب أمريكى. على أى حال فإن تلك الزيارة أيقظت الأمريكان من النوم الذى كانوا يعيشون فيه، وهم يعبثون بمصير الدول والشعوب الأخرى اغتراراً بقوتهم، وإنهم السوبر باور أو القوة العظمى الوحيدة فى العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتى. أذكر هنا ما قلته سابقا، من أن نتيجة الجهاد الأفغانى أو الحرب الأفغانية السوفيتية، صبَّت فى صالح الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت أمريكا أكبر المستفيدين من تلك الحرب، حيث قطعت الطريق على السوفييت من الوصول إلى المياه الدافئة وإقامة قواعد لها قريبا من منطقة الخليج، ومنافسة الأمريكان على ثرواتها.

قلت سابقاً، لو أن الأفغان قبل الحرب أو فى بداياتها، طلبوا من الأمريكان مائه مليار دولار أو أكثر لخوض هذه الحرب، لدفع الأمريكان ذلك المبلغ وهم شاكرون للأفغان صنيعهم، ولكن رسالة الشكر التى وصلت إلى الأفغان من الأمريكان، كانت تشويه صورة الإسلام بدعم طالبان، ولا يضير الطالبان أبداً بل يشرفهم الدفاع عن أفغانستان ضد المحتل إن كان السوفييت أو الأمريكان. تمكن الأمريكان من إثارة الفتنة الأهلية والاستفادة فى ذلك من الروح القبلية والاقتتال، ومن ثم تمكن الاحتلال لبعض الوقت من إجهاض أحلام المجاهدين الأفغان والعرب فى إقامة دولة الإسلام والجهاد.

على أى حال، هذا تاريخ قد لا يتذكره الشباب اليوم، ولكن يجب أن يكون درساً قوياً حاضراً أمام أعين من شاركوا فى الجهاد الأفغانى أو أعانوا أهله، وبعضهم اليوم يثير فتناً وتكفيراً وعنفاً، لا علاقة له بالجهاد ولا علاقة له حتى اليوم بالإسلام الوسطى. فتن بارزة رأيناها فى العراق والصومال وسوريا بعد الجهاد الأفغانى، وانتشار أفكار قاعدة تورا بورا، فى بغداد ومقديشيو ودمشق وطرابلس وبنغازى وسيناء وغيرها. آن باترسون - السفيرة الأمريكية المشهورة، لباكستان ثم للقاهرة قبل رحيلها عن مصر - أشارت - كما جاء فى الصحف والإعلام ـ فى جلسة لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، يوم الثلاثاء الماضى، عن سياسة الولايات المتحدة وموقف الدفاع فى الشرق الأوسط، إلى أن الأمر مقلق للغاية فى مصر، وأن مصر تعتبر شريكاً استراتيجياً وثيقاً على مدى عقود، وأن واشنطن تواصل دعم الآمال المصرية لإقامة حكومة ديمقراطية، تحترم حقوق الجميع وتساعد على مواجهة التحديات الاقتصادية وتعزيز فرص العمل والاستثمار.

صحيح ما قالته باترسون، صديقة الإخوان أثناء حكمهم، لكن شروط الشراكة الاستراتيجية التى امتدت عقوداً يجب أن تتعدل فى ضوء ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وصحيح أن مصر يجب أن تحترم حقوق الجميع، ولكن الإجرام والإرهاب والعنف، غير قابل للاحترام، ويخضع كل ذلك للقانون، وأهله غير مؤهلين على الإطلاق للشراكة أو العمل للمستقبل ولا العمل الديمقراطى، وهذا ما لم تفهمه أمريكا بشأن مصر حتى اليوم، ومن ثم كانت صور الدعم المختلفة للمعزول ومن وراءه أو أمامه. آن الأوان أن تدرك أمريكا، أن مصر على عتبات مرحلة تاريخية جديدة، وأنها بدأت طريق الانفتاح على العالم كله، رغم الشراكة التى أشارت إليها باترسون، وعليها أن تدرك أنه لن تكون للأمريكان فرصة أخرى للإفساد فى مصر، ثم الهرب أو التهرب، كما حدث أثناء المرحلة الانتقالية فى القضية المعروفة باسم منظمات المجتمع المدنى. مصر تفتح تاريخاً جديداً متوازناً فى العلاقات الدولية بزيارة المشير إلى موسكو.. والله الموفق.