رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حين يغيب.. المخرج

مصطفي الصبغ
مصطفي الصبغ

فضاء يليق بالحركة، حركة جموع تبحث عن يقينها، وتوقيت يليق باتخاذ قرار غير مسبوق، اجتمعنا لإنجاز أول المشاهد:

اجتهد مهندسو الديكور، انتهوا من عملهم فى زمن قياسى، ومهندس الصوت، والكهرباء، جاء كل المعنيين بالأدوار الرئيسية والهامشية، جموع الكومبارس، المشاهدون، المحللون، النقاد، المنافقون، المولعون بالمديح، القواد والمستقودون..

حين كاد كل شىء يصل إلى درجة من الاكتمال استقر كل شىء فى مكانه، لم نشعر بمرور الوقت، لكن مساحة من الزمن بدأت تفرض قوانينها الفيزيائية، راح كل منا فى حوار مع من هم أقرب منه، فيما انشغل البعض بالوقوف على آخر أخبار الطقس ضمانًا لعودة آمنة إلى البيوت.

كاد النهار ينتصف، بدا الجميع جاهلًا بسبب التأخير، غير أن أحدهم جاء بالخبر المؤكد: المخرج لم يصل بعد.

الذين بذلوا جهدًا ألجأهم التعب إلى الاستلقاء فى زوايا المكان، والذين راحوا فى مكلمة كبرى أرهقهم الجدال فاستكانوا لصمت قصير، الفرقة الموسيقية التى كان عليها أن تؤدى مشهد الزفاف اتخذت أماكنها بعناية تليق بحفل أسطورى تعبيرًا عن رغبات داخلية، بدأت الأشياء تحدث، حين أراد البعض شرب الشاى ظهر رجل يحمل أكواب الشاى مناديًا: بخمسة جنيه بس، وحين جاعوا ظهر باعة الساندويتشات، وحين بدأت الموبايلات تفقد طاقتها ظهر باعة الشواحن، وحين سرى الملل فى النفوس ظهرت راقصة وظهرت فرقتها وظهر شباك للتذاكر.

ساعة أخرى، ساعتان، قارب النهار على الرحيل، بدأ غروب الشمس نادرًا، كأننا ندركه للمرة الأولى، انشغل البعض بالتقاط صور «سيلفى»، نامت كغيرها من آلاف الصور فى أجهزتهم المتخمة بها «حين نلتقط السيلفى لا نحتفظ بملامحنا الآخذة فى الرحيل، إنما هى محاولة للإمساك بالزمن، محاولة يائسة محكوم عليها بالمرور البائس». 

كأننا ولدنا هنا وكأن انفصالنا عن حياتنا السابقة نموذج لحياة جديدة علينا أن نحياها، مرت الساعات شبه صاخبة، وتوالت الأيام شبه بطيئة، ارتكن كل منا فى زاوية تصلح للاختلاء بنفسه دون أن يفرط فى مساحة مكاشفته المكان من حوله.

الأيام التالية، ظهر عمال «جادون» صنعوا حولنا سورًا، قيل هو للحماية من هجمات اللصوص وغزاة الصحراء، وقيل هو للحماية من الشتاء القادم، فيما صرح أحد أتباع المخرج: إنه لتدفئة نفوسكم المقرورة لغيابه المتطاوس.

فقدنا القدرة على النوم «الانتظار يستهلك هرمون الإجهاد (الكورتيزول) ويعطى الفرصة لظهور الميلاتونين الذى لم تعد أجسامنا تنتجه».

لم نعد ندرك تمامًا ما يدور حولنا، ارتفعت جدران، وتشوهت أرواح، وغاضت براءة الوجوه، واختزلت الحياة نفسها فى سؤال واحد: متى يصل؟