رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صورة مين دى؟


قبل أكثر من ثلاثين عاما حقق أحد استوديوهات التصوير الفوتوغرافى بالإسكندرية شهرة واسعة، كان صاحب المحل «مصوراتى» يتمتع بقدرة فائقة على تعديل شكل الزبون من خلال الرتوش التى يضيفها للصورة، وكان الرجل يتفانى فى تطوير موهبته هذه إلى درجة احتفاظه بكتالوج لصور الفنانين والفنانات أصحاب الوجوه الوسيمة ويعرضه على الزبون أو الزبونة لاختيار الشكل المقارب المطلوب إضافته للصورة الشخصية، وخلال سنوات قليلة تحول كل زبائن هذا الاستوديو إلى نسخ من حسين فهمى وهند رستم وسعاد حسنى وأحمد رمزى ..

ولم تكن ثمة سلبيات فى هذه القصة سوى إفساد العديد من الزيجات التى كان يتم الاتفاق عليها من خلال «الخاطبة»، حيث يكتشف العريس عند المواجهة أن صورة العروس لا علاقة لها بشكلها الأصلى، أو تكتشف العروس أن صاحب الصورة التى وافقت عليها منقطع الصلة تماما بالشاب الكحيان الجالس أمامها!! هذا إلى جانب اضطرار عدد من محال التصوير الأخرى لتغيير نشاطها نتيجة رفض الزبائن تسلم صورهم الحقيقية وإصرارهم على تجميل الصورة كما يفعل الاستوديو الشهير!

هذه القصة أتذكرها الآن بمناسبة الـ 50 ألف قضية التى تقول صحف الأحد إن «المواطنين الشرفاء» رفعوها ضد برنامج «البرنامج» بسبب تطاوله على السيد المشير - وزير الدفاع والمرشح الرئاسى المرتقب - فقد شاهدت حلقة البرنامج الأخيرة يوم الجمعة ولم أسمع كلمة واحدة خارجة أو داخلة ضد السيد المشير أو غيره، ولم أسمع أو أشاهد هجوما من أى نوع ضد المشير أو الدولة أو الحكومة، كل ما شاهده الناس فى الحلقة المذكورة عبارة عن مشاهد حقيقية لم يخترعها صاحب البرنامج، ولم يزيفها..كل ما فعله البرنامج هو عرض صور حقيقية دون رتوش ودون تزويق لقطاع عريض من الشعب المصرى، بعض هذه الصور يتناول الهتيفة المأجورين، وبعضها يمثل المنافقين ذوى النصيب الوافر من العبط، وبعضها للمشعلجية ومرتزقة المناسبات، وبعضها لعبيد يبحثون عن إله من البشر، وبعضها لجهلة وحمقى يعشقون المشير على طريقة الدب الذى قتل صاحبه، وبعضها لإعلاميين أقرب للفساد والنفاق والانتهازية منهم للوطنية والمبادئ والاحترافية، وبعضها لنماذج من رأسمالية غسيل الأموال التى تفشل بالضرورة فى إدارة قنوات تليفزيونية أو صحف ورقية لصالح الحقيقة وحدها. لم يشتم البرنامج أحداً، ولكنه اكتفى بتصوير الحالة المصرية كما هى، نقل للناس ما يدور فى الشارع السياسى من عبط وهبل وهلفطة وانتهازية، ورغم وفرة ما قدمه فى هذا السياق فإنه لم يتمكن من ملاحقة الكثير والكثير من التفاصيل الأخرى للمسخرة التى نعيشها هذه الأيام، هذا النوع من البرامج كالطبيب النفسى، يكرهه المرضى ويشتمونه لأنه يواجههم بحقيقة أمراضهم!

■ كاتب