رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عنتر

سمير فوزى
سمير فوزى

 

سيسب عنتر بائع الطماطم الدين بعد دقائق قليلة لعطيات زوجته، ويبعثر الطماطم فيتساقط الكثير منها على الأرض.

سيترك لها العربة الخشبية ويجرى فتشد حلمة ثديها من فم رضيعها، وتقذفه بحديد الميزان فلا يصيبه.

لم يحدث أن أصابته حديدة واحدة، يختفى فى الزحام ليتفادى أمه القادمة من الناحية الأخرى تقصده، تخلع «الشبشب» ناوية ضربه.

تنحاز أم عنتر لزوجة ابنها على حسابه؛ لعلمها أنه «هايف وصايع»، لو طال حصيلة البيع سيبددها على المخدرات، فشلت فى منعه عنها بكل الطرق.

أبلغت عنه أكثر من مرة، دلت المباحث عليه وعلى مكان الحشيش فضبطوه متلبسًا وقضى فترات متقطعة مسجونًا.

لا يغيب عن ذاكرة هانم أبدًا منظر عنتر وأمه تجره من رقبته مقيدًا من يديه وقدميه مستسلمًا لا يفعل أكثر من التوسل إليها.

- ياما عيب كدا، ماتجرنيش زى الخروف قدام الناس، والله العظيم هاروح معاكى زى مانتِ عاوزة.

والمرأة العجوز لا تأبه له، لا ترد على الذين يسألونها بينما يشخط فيهم عنتر.

- كل واحد يخليه فى حاله، أنا حر أنا وأمى ما حدش له دعوة، ظلت تجره دون مقاومة منه حتى أركبته التاكسى المنتظر على أول الشارع ليختفى فترة طويلة.

الكل يعرف أن عنتر لا يجرؤ على رفع عينيه فى أمه رغم شقاوته وقلبه الميت.

لا يعترف عنتر بتجارة الخضار والجلوس طول النهار ينحر صوته ويناهد مع الزبائن المقرفين من أجل خمسين جنيهًا آخر النهار، قرش حشيش بمكسب شهر.

يعود عنتر إلى الشارع من جديد حاملًا عداية طماطم، يضعها على الأرض، ينادى عليها بسعر أرخص كثيرًا مما تبيع به عطيات وجميع من بالسوق، مع ذلك لا يقترب منه أحد.

يخشى الزبائن التعامل معه- روحه فى مناخيره وخلقه ضيق لا يتسع لفصال ومناهدة- خاصة مع الحريم، يمكن أن يسب امرأة أو بنتًا لأتفه الأسباب، لا يعرف لسانه سوى الشتائم البذئية، الست المحترمة فى نظره لا تفاصل ولا ترغى فى الفارغة والمليانة، تشترى حاجتها وتعود لبيتها وعيالها من سكات.

سهل جدًا أن يخرج من جيب بنطلونه مطوة قرن غزال لو راجعه رجل أو لامه على ألفاظه أو تجرأ ودافع عن زبونة.

رغم نحافته وضآلة جسمه يتجنب الناس شره.

كل ذلك وتتعاطف هانم معه، تراه جدعًا شهمًا حقانيًا، لا يرضى بظلم، تشعر بوحشة له إن تأخر أو غاب فترة طويلة.

تحب دمه الخفيف وتضحك لقفشاته، عندما تروق غزالته يصبح شخصًا آخر، لا يمل الهزار مع المارة وإلقاء النكات الخارجة والتريقة على نفسه وزوجته واليوم الذى شافها فيه.

تعرف أن طاسته عمرانة عندما يقف فوق عربة الطماطم يزعق بأعلى صوته.

- يا ريتنى ما خرمت الطبق.

تمر هاجر بائعة الكشرى على الباعة حاملة صينية كبيرة عليها أطباق الكشرى، تصل لعطيات فتطلب طبقين، تأخذ أحدهما وتشير برأسها تجاه عنتر.

تفهم هاجر وتتجه ناحيته، تعطيه الطبق الآخر وتشير تجاه عطيات، يحمل عنتر عداية الطماطم وطبق الكشرى، يقلب العداية على العربة ويقف بجوارها يتمسّح فى زوجته، تشفق عليه وترق له مبتسمة وتفسح له مكانًا بجوارها.

قصة زواج عنتر وعطيات يحفظها الكثيرون رغم مرور سنوات عليها.

أقسم الحاج بدوى بأيمانات المسلمين ألا يمس عنتر شعرة لابنته حتى لو انقرض صنف الرجال وصفصف عليه وحده، صايع وحشّاش، نهايته مؤبد أو الموت قتيلًا، فترد عطيات على أبيها بأنها ستعدله بعد الزواج.

تجهر بحبها له وتخبر أمها صراحة بأنها تخرج معه وقد تتزوجه من ورائهما، فلن تتزوج غيره لو انطبقت السماء على الأرض.

يستمر الرجل فى عناده، يوسط له عنتر الكثيرين من أصدقائه ومعارفه ولا يلين رأسه.

قال عنتر لعطيات وهما جالسان على المصطبة الرخامية أمام كورنيش النيل وهى تفرط كوز الذرة المشوى فى حجرها.

- أبوك نسى أصله، الله يرحم أيام العربية بحمار اللى كان بيلف بيها يلم الروبابيكيا! عشان بقى عنده معرضين أجهزة منزلية والفلوس كترت معاه ينسى ويتعنطز على مخاليق ربنا!

انتفضت عطيات وهبت واقفة، استندت بظهرها على سور الكورنيش فأصبح وجهها للطريق والسيارات والمارة.

- اخرم الطبق يا عنتر.

- طبق إيه؟

- هاتستعبط؟ عاوزة أبويا وأمى وإخواتى يبوسوا رجلك عشان تتجوزنى.

- جرى لعقلك حاجة! إزاى يعنى؟

- تصلح غلطتك، فهمت واللا أسمع كل اللى على الكورنيش وأقول لهم عملت معايا إيه؟

جذبها من يدها بشدة فعادت إلى جواره.

- يا بنت المجانين! أنا عملت لك حاجة!

- هاتشغل لى أسطوانة إنك بتحبنى وتخاف على سمعتى وسمعة أهلى وكلام السيما دا! مافيش حل تانى، فى الأول والآخر ماحدش هايخرمه غيرك.

تأكدت أمها من طبيبة أمراض النساء أن ابنتها لم تعد بكرًا، اعترفت عطيات صراحة أنها فعلتها مع عنتر بكامل إرادتها، وأنها حرضته على ذلك، فهو زوجها وهبته نفسها أمام الله.

أقاموا له فرحًا تحاكت به شبرا، لم يدفع فيه مليمًا واحدًا، أشهروا عقد القران وهم يضمرون طلاقها بعد مداواة الفضيحة.

كانت عطيات أسرع منهم، ذهبت إلى أم عنتر وأخلت غرفة فى البيت أقامت فيها، وقفت قليلًا مع أم عنتر على فرش الطماطم، ثم أضافت لنفسها فرشًا خاصًا بها، بنت طابقًا فوق بيت أم عنتر لها ولأولادها الثلاثة، دهنته وفرشته لكنها لم تفلح فى إصلاح حال عنتر.

من رواية بيت ياجورى